هادي بن شرجاب المحامض
قبل أكثر من ثلاثة عشر عامًا، وفي إحدى المدارس وقعت حادثة قلبت موازين الوعي لدى كل من كان شاهدًا عليها. سمعت بأنه أُلقي القبض على طالب في الخامسة عشرة من عمره، خلال فترة الامتحانات النهائية، بتهمة حيازة وترويج الحبوب المخدرة.
لم يكن المشهد مجرد مخالفة مدرسية، بل كان صدمة كشفت أن أيدي الترويج امتدت إلى مؤسسات التعليم، تستغل براءة طلاب لا يملكون من الوعي ما يجعلهم يدركون خطر ما يقدمون عليه وفيه هلاكهم وهلاك من يقع ضحية لهم.
في تلك اللحظة الفارقة، أيقنت أن التعامل مع المخدرات لا يجب أن يقتصر على أساليب الوعظ التقليدي، ولا أن يكون ردة فعل مؤقتة.
كانت الحاجة ملحّة لتحرك ميداني مؤسسي، يرسي قواعد ثابتة في مواجهة هذه الآفة، ويجمع بين التوعية، والحماية، والمواجهة بكل شجاعة مهما كانت النتائج والتبعات. وكان اللقاء المفصلي مع رجل الوطن الأصيل، اللواء عبدالله بن مشعان البدراني – مدير مكافحة المخدرات بنجران آنذاك، ثم مديرًا لمكافحة المخدرات بالمنطقة الشرقية لاحقًا – نقطة تحول.
وجدت فيه قائدًا يؤمن أن مسؤولية حماية الأجيال لا تُدار من خلف المكاتب، بل تُخاض في الميدان، بتخطيط استراتيجي وعمل دؤوب. بدأنا بخطوة التدريب، حيث خُصصت برامج تأهيلية لضباط مكافحة المخدرات حول أساليب التوعية المؤثرة داخل المدارس. لكننا تجاوزنا ذلك سريعًا، لأننا أدركنا أن الوقاية الحقيقية لا تأتي فقط من المحاضرات، بل من خلق بيئة بديلة تُحصّن الشباب وتمنحهم الوعي والسلوك الإيجابي.
تقدمتُ بمبادرة لإنشاء نادٍ داخل المدرسة يحمل اسم “نادي الأمير سلمان”، ليكون منارة ثقافية ورياضية وترفيهية، تدمج بين المتعة والتوعية.
بدعم الجهات الرسمية، وبتعاون كريم من ضباط مكافحة المخدرات، انطلق النادي بنموذج فريد: جلسات حوارية، عرض لعينات حقيقية من المخدرات، شرح وسائل الإخفاء، أعراض التعاطي، ومخاطر الإدمان. تحوّل النادي إلى نموذج وطني ناجح وطرحت فكرته للتوسع لتشمل جميع الأندية الصيفية، لقدرته على الدمج بين الترفيه والرسالة.
إيمانًا بأن الوقاية تبدأ من البيت، جاءت فكرة “مهرجان شرق نجران” بساحة إمارة الخرعاء، بالشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وبحضور شخصيات علمية وأمنية مؤثرة، على رأسهم البروفيسور عبدالله بن محمد الفوزان. المهرجان لم يكن فعالية تقليدية، بل منصة توعوية متكاملة.
قدم ضباط المكافحة محاضرات عملية، وورشًا توعوية للأهالي حول طرق اكتشاف التعاطي والتعامل معه، إلى جانب مسابقات وأنشطة جعلت التفاعل يصل إلى كل أسرة.
لم تكن الرسالة أن تبقى حبيسة المدارس والمهرجانات.
كانت رؤيتي أن ننتقل من التوعية إلى المواجهة، فاقترحت على اللواء عبدالله البدراني تأسيس نقطة دعم ميدانية لمكافحة المخدرات في شرق نجران.
لم يتردد، بل طلب أن أرافقه في سيارته الخاصة لزيارة المواقع واختيار نقطة استراتيجية على طريق الأمير مشعل بن سعود.
من تلك النقطة، انطلقت عمليات نوعية: مداهمات، ملاحقات، وإحباط لمحاولات ترويج.
تحوّل المركز إلى حصن حقيقي، خط الدفاع الأول في وجه مروّجي السموم، بفضل الله ثم بعزيمة رجال صدقوا العهد.
لم تكن الطريق مفروشة بالورود. فمن يقف في وجه الترويج والمروجين وأذنابهم بالمجالس سوف يتعرض لحملات تشويه للسمعة من بعض المستفيدين من هذه الآفة، وممن يحاول استغلال الشباب وبراءتهم، لكن الدولة بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- وبدعم ومتابعة من سمو وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، أعلنتها حربًا لا تراجع فيها ضد المخدرات ومروجيها، داخل المملكة وخارجها.
وفي آخر شهر رمضان كتبت مقالاً بفخر لكل سعودي لإحباطه محاولة تهريب سبعة ملايين حبة أمفيتامين، بجهود استخباراتية بالتعاون مع جمهورية العراق، قبل دخولها إلى أراضينا. هذا الإنجاز رسالة واضحة: أن الوطن لا ينام، وأن أعداء الوطن لن يجدوا ملاذًا بيننا. هذه المعركة ليست أمنية فقط، بل معركة وعي وكرامة وطن.
رسالة لكل مروّج: نحن لكم بالمرصاد.
رسالة لكل شاب: الوطن يحميك، فلا تكن أداة في يد من يدمّرك.
رسالة لكل ولي أمر: أنت خط الدفاع الأول، فكن واعيًا يقظًا.
سننتصر بإذن الله.. لأن في هذا الوطن رجالاً لا يعرفون التهاون، ولا يرضون بأن تضيع الأمانة من بين أيديهم. رجالًا أوفياء ممن حملوا شعلة الوعي وواجهوا الخطر بشجاعة وثبات.