طوتك يا سعدٌ أيامٌ طوت أمماً
كانوا فبانوا وفي الماضيين معتبر
ودعت الساحة الأدبية والشعرية أحد رموزها الأديب الكبير الأستاذ سعد بن عبدالرحمن البواردي، الذي انتقل إلى رحمة الله يوم الأحد 22-10-1446هـ، وتمت الصلاة عليه بعد صلاة عصر يوم الاثنين 23-10-1446هـ بجامع المهيني شمال الرياض، ثم حمل جثمانه الطاهر إلى مقبرة الشمال، حيث وُورِيَ الثرى هناك في أجواء حزن وأسى على فراقه - رحمه الله.
ولقد كانت ولادته في شقراء عام 1348هـ، حيث كان والده أميراً لشقراء وأحد وجهائها وبعد بلوغه السابعة من عمره ألحقه والده بأحد الكتَّاب بشقراء لتعلّم القراءة والكتابة وحفظ ما تيسَّر من القرآن الكريم، ثم بعد ذلك انتقل إلى عنيزة لدراسة المرحلة الابتدائية هناك، وتوفي والده وعمره ثلاثة عشر عاماً، وقد التحق بعد ذلك بدار التوحيد في الطائف فترة من الزمن، ونظراً لظروف الحياة وشظف العيش، انتقل للعمل عصاميًا معتمدًا على الله ثم على نفسه وذلك بالمنطقة الشرقية في الأحساء، ثم انتقل إلى الخبر وعمل موظفاً في أحد مكاتب التجار هناك، وعمل بائعاً لقطع غيار السيارات لدى شركة عبداللطيف العيسى.
وإنّما رجلُ الدُّنيا وواحِدُها
من لا يعوِّلُ في الدُّنيا على (أَحدِ)
وقد ظل في هذه الأثناء مواصلاً تعلّمه الذاتي بالقراءة والمطالعة، حيث كان شغوفاً بالعلم والمعرفة وقد أَنشأَ مجلة (الإشعاع) في الخبر عام 1375هـ وهي تعنى بالشعر والأدب والموضوعات الاجتماعية، واستمرت لمدة عامين وصدر منها ثلاثة وعشرون عدداً، واستمر في نشر مقالاته وقصصه وقصائده في عدد من الصحف والمجلات منها: اليمامة والجزيرة واليوم والمسائية وقريش والأضواء والرائد والفيصل والمعرفة والمجلة العربية والحرس الوطني، وكان له زوايا أسبوعية ويومية فيها. وهو عضو في مجلس أمناء مركز الشيخ حمد الجاسر الثقافي، وقد تولى عدداً من الوظائف الإدارية في وزارة المعارف؛ فعمل مديراً لإدارة العلاقات العامة فيها إضافة إلى إدارة مجلة المعرفة وسكرتير المجلس الأعلى للتعليم وسكرتير المجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب، ثم ملحقاً ثقافياً للوزارة للشؤون الإعلامية في كل من بيروت والقاهرة إلى أن أحيل للتقاعد عام 1409هـ.
وله -رحمه الله- مؤلفات، حيث ألَّف عشرة دواوين من الشعر وخمسة عشر كتاباً في النثر وثلاثة مؤلفات أدبية أخرى بالإضافة إلى أن لديه مؤلفات كثيرة تنتظر النشر بعضها دواوين شعرية وبعضها قصص وبعضها مؤلفات نثرية، ومنها كلمات الأنشودة المعروفة التي سطَّرها في كتاب القراءة للصفوف الأولية حتى بداية التسعينات الهجرية وكان مطلعها: (الله رب الخلق.. أمدنا بالرزق) والتي رددها وحفظها الأطفال وبقيت راسخة في ذاكرتهم، فلا شك أن الأستاذ سعد رائد من رواد الصحافة والأدب والشعر، وكان مخلصاً لدينه ومليكة ووطنه ومجتمعه العربي.
وقد حظي الفقيد بالتكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- حيث قلَّده وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى تقديراً لنشاطه الأدبي والثقافي على مدار ستين عاماً، وذلك في مهرجان الجنادرية عام 1435هـ، وفاز بجائزة جريدة البلاد السعودية عن كتابة القصة وذلك في عام 1364هـ رغم صغر سنه آنداك، وكرَّمته ثلوثية الدكتور محمد المشوح بالرياض عام 1426هـ، وكذلك حظي بتكريم من نادي الوشم بشقراء وذلك في عام 1426هـ وذلك عرفاناً بأفضاله على الساحة الثقافية والأدبية في المملكة العربية السعودية والعالم العربي، وكنت ممن حضر هذا التكريم بدعوة كريمة من رئيس وأعضاء نادي الوشم بشقراء وبحضور جمع غفير ولفيف من الأدباء ورجال الفكر.. ولنا مع الراحل بعض اللقاءات وتبادل الإهداءات من الكتب الأدبية والشعرية. وقد كتبت مقالاً عن هذا التكريم بعنوان (نادي الوشم يكرِّم البواردي) نُشر في صحيفة الجزيرة يوم الخميس 18-6-1426هـ، وهو ضمن مقالات في كتابي (خواطر وذكريات) الجزء الأول.
إذا أنت أوليت الجميل (لكاتبٍ)
فذاك وفاء قدمته عباقرة
وحقيقة فالأستاذ والأديب سعد البواردي -رحمه الله- يستحق كل هذا التكريم والإطراء، وذلك لما قدَّمه طيلة العقود الماضية من الإبداع في مجال الصحافة والكتابة والشعر والقصص.
هذا ثنائي بما أوليت من حسن
لا زلت (عَوضَ) قرير العين محموداً
وبالإضافة لعمله الأدبي والصحفي فقد كان واصلاً لرحمه محباً للخير عطوفاً على الفقراء واليتامى والمساكين؛ فقد كان أحد الداعمين لجمعية (إنسان) بصفة دورية، كما قام بكفالة دائمة لعدد من اليتامى، كما ذكر ذلك الأستاذ عبدالله بن ناصر المجيول أحد منسوبي جمعية إنسان.
ستلقى الذي قدمت للنفس محضراً
فأنت بما تأتي من الخير أسعدُ
تغمد الله أبا عبدالرحمن بواسع رحمته وألهم زوجته وابنيه عبدالرحمن ووليد وبنتيه نازك وفدوى وجميع أسرة البواردي ومحبيه الصبر والسلوان.
وكم مقيم في الحياة وعيشها
فلا شك يوماً أنه سوف يشخصُ
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء - 26-10-1446هـ