هادي بن شرجاب المحامض
حينما تثور البنادق وتصمت العقول يحتاج العالم إلى من يهمس بلغة الحكمة.
وفي خضمّ تصاعد التوترات بين الهند وباكستان، ووسط حالة من القلق العالمي من انزلاق المنطقة إلى نزاع مفتوح قد تتجاوز آثاره حدود جنوب آسيا، تتجه أنظار المجتمع الدولي نحو الرياض، العاصمة التي باتت تمثل اليوم مرجعية دولية لاحتواء الأزمات وبناء الجسور بين الفرقاء.
في وقت تتسارع فيه قرارات السلاح وتضيق فيه فرص العقل، تبرز مملكتنا العزيزة بثقلها السياسي والاقتصادي، وتحركاتها الدبلوماسية الرصينة، كواحدة من قلة من الدول القادرة على تهدئة العواصف قبل أن تتحول إلى أعاصير. الدور السعودي لم يعد مقتصراً على محيطه الإقليمي، بل أصبح عابراً للقارات، ينافس أدوار قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين بل ويتفوق أحياناً بمرونته وقدرته على التواصل مع الجميع دون استثناء، ومن شواهد ذلك، مساعيها النشطة في ملفات بالغة التعقيد مثل الوساطة بين روسيا وأوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية ورعاية المصالحات الإقليمية التي طال انتظارها.
اليوم، في لحظة دقيقة أمام أزمة الهند وباكستان، تبرز الحاجة الملحة إلى تدخل عاقل يوازن بين العقل والعاطفة، بين المصالح الوطنية والواجبات الإنسانية. وهنا، تبدو السعودية مؤهلة أكثر من أي وقت مضى للقيام بهذا الدور التاريخي، ليس فقط بفضل علاقاتها الوثيقة والمتوازنة مع الطرفين، بل بفضل نموذجها العصري في إدارة النزاعات بما تملكه من دبلوماسية هادئة، واقعية، ومدروسة، ترتكز على مبدأ (الربح للجميع) لا الإقصاء أو الانتصار لطرف على حساب آخر.
لقد نجحت الرياض في إعادة رسم صورتها على خارطة السياسة الدولية، لم تعد فقط عاصمة عربية أو إقليمية، بل أصبحت مرجعاً عالمياً تحتضن تحت مظلتها القرارات الكبرى والمصالحات المعقدة، بعيداً عن منطق الصوت المرتفع وسياسات الفرض والإملاء. هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتاج لرؤية إستراتيجية واضحة، تقودها قيادة سعودية شابة وطموحة، تؤمن أن العالم الجديد يحتاج إلى أدوات جديدة، أهمها الحكمة والاتزان وبناء الثقة.
العالم اليوم بحاجة إلى وسيط يُحسن الإصغاء، ويجيد التأثير دون أن يُحرج الأطراف أو يدفعهم إلى زوايا مغلقة. يحتاج إلى من يدير النزاعات بحرفية عالية، ويمنح الجميع فرصة الخروج بشرف. العالم يحتاج إلى الرياض.
وإذا كانت عواطف السلاح تضع المنطقة والعالم أمام هاوية حرب نووية، فإن عقل قيادتنا قادر على مدّ الجسور وتثبيت قواعد السلام.
إنها معركة صامتة بين ردود الفعل المندفعة وسياسة النفس الطويل. معركة بين منطق الغلبة ومنطق الحكمة.
وفي نهاية المطاف، يبقى الرهان الأكبر أن ينتصر العقل وأن تنتصر السعودية.