م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - يقول دارسو علم النفس: إن الأحداث بذاتها ليس لها أي مضمون انفعالي، لكن تفسيرنا للحدث أو الموقف هو الذي يثير مشاعرنا أو انفعالاتنا.. من هنا انطلقت نظرية أن الأفكار تسبب المشاعر، على أساس أن مشاعر الإنسان ما هي سوى نتيجة لأفكاره، لذلك فهم يرون أن تغيير الأفكار سيؤدي إلى تغيير الشعور.
2 - العلاقة بين الأفكار والمشاعر والأحداث علاقة متصلة، فالأفكار تثير المشاعر، والمشاعر تخلق الأفكار، والأحداث تثير المشاعر وتخلق الأفكار.. هنا نجد أن الصلة بين المشاعر والأفكار والأحداث صلة متصلة على شكل دورة كل واحد منها يؤدي حتماً إلى الآخر.. بمعنى أن ثلاثي الأحداث والمشاعر والأفكار كل واحد منها يمكن أن يكون نتيجة للآخر أو يكون سبباً له.
3 - الأحداث كما يصفون ليس لها أي مضمون انفعالي، لكننا كبشر سوف نجدها تحمل صفة من صفتين؛ إما أنها ممتعة أو مملة، جيدة أو سيئة، آمنة أو خطرة، وهذا بدوره سوف يحفزنا لاتخاذ موقف إما متحيز أو محايد.. هذا الموقف اتخذناه بناءً على مشاعرنا الأساسية التي أثارها ذلك الموقف، مثل الغضب، أو الخوف، أو الأسى إلى آخر المشاعر المؤثرة على اتخاذ المواقف وإبداء الآراء.
4 - الأحكام والأوصاف التي نطلقها على الأحداث والأشخاص والأشياء ليست آتية من فراغ بل من نفس مشبعة بالمشاعر، ولديها سمات وراثية وأخرى مكتسبة من البيئة التي عاشت فيها والثقافة التي تأثرت بها، ولديها أيضاً تحيزاتها المبنية على مصالحها وأهوائها وتربيتها وعاداتها وتقاليدها... إلخ.. وهذه الأحكام قد نطلقها في البداية بشكل عفوي، لكننا نبدأ في تشكيلها بالحوار الداخلي الذي نقيمه مع أنفسنا بخصوصها، وهذا يخلق تياراً من الأفكار والمشاعر التي توجه انفعالاتنا وبالتالي سلوكياتنا.
5 - الأحكام والأوصاف التي نطلقها على ما حولنا هي أحكام انطباعية وليس بالضرورة أن تكون مبنية على تجربة مسبقة، بل قائمة على كلام سمعناه أو صورة ترسخت في مخيلتنا، أو ذكرى عالقة في بالنا، أو أمور نخشاها.. لذلك أحكامنا بدورها لا تتجاوز أن تكون صفة مبتسرة ومختزلة في كلمة واحدة، كأن نقول: إن ذلك الشخص بخيل وبالتالي فهو كريه، أو كريم وبالتالي فهو محبوب، أو مريض نفسياً وبالتالي يجب ألا نلقي لكلامه وآرائه بالاً، أو عالم وبالتالي يجب احترام ما يقول.. وهكذا.
6 - الأحكام التلقائية التي نطلقها على كل شيء حولنا هي نتيجة أفكار عفوية تقفز إلى عقولنا دون أن نلاحظ صحتها من خطئها.. ونحن كبشر نأخذها مأخذ اليقين إذا لم تتم محاكمتها والتأكد من صحتها، وتستمر معنا ربما طول العمر.. فإذا لم يكن هناك داعٍ للتأكد منها فما الذي قد يدفع الإنسان لإشغال نفسه بذلك؟ لذلك يصبح حكمه مُسَلَّماً به في نفسه، وبالتالي التأثير على مشاعره ومواقفه تجاه ذلك الشيء.. المشكلة في هذا الأمر أن تلك الأفكار التلقائية غير المفحوصة تصبح وكأنها أفكاراً مُلْزِمة، نتخذ بسببها مواقف قد تكون ضارة، لا لشيء سوى لاستسلامنا لفكرة عفوية خطرت في البال دون تمحيص أو تدقيق.. والمشكلة الأخرى في مثل تلك الأفكار التي آمنا بها رغم أنها عفوية وغير منطقية أنها تصبح قاعدة يصعب تغييرها، بل إن النفس تقاوم أي محاولة لذلك.
7 - من أشهر القصص عن الأفكار التلقائية قصة انتشرت إبان الحرب العالمية الثانية، حينما احتلت القوات النازية فرنسا.. تقول القصة إنه في كابينة قطار متجه من «باريس» إلى «ليون» كان يجلس ضابط ألماني وعجوز وشابة ورجل فرنسيون، فلما دخل القطار في نفق مظلم سمع الأربعة صوت قبلة ومن ثم صفعة، وبعد الخروج من النفق، كان الضابط الألماني يضع يده على خده مندهشاً، فقالت العجوز: يا لها من فتاة شجاعة كيف أدبت هذا الألماني القذر ولم تخف منه، وقالت الفتاة: يال هذا الضابط الأعمى، كيف قَبَّل العجوز ولم يُقَبِّلني؟! وقال الضابط: يال هذا الفرنسي اللعين، فاز بالقبلة وتلقيت أنا الصفعة، وقال الفرنسي: يال الجمال قَبَّلت يدي وصفعت الألماني.. الأفكار التلقائية بلا فحص تقود إلى الوهم.
8 - من مشاكل الأفكار التلقائية -إضافة إلى أنها تؤدي إلى سوء التقدير، وأنها تستمر في العقل الباطن فتثير الأفكار، ولها تأثير فوري على المشاعر واتخاذ المواقف- أنها أيضاً أفكار مكتسبة منذ الطفولة، حيث يتلقى الفرد الأفكار ويهضمها ثم يخزنها في عقله الباطن فتبرمج حياته على تلك الأفكار العفوية وتصبح هي الموِّجه الفوري له، ويأخذ في تفسير الأمور والأحداث من خلالها.