لاشك أن العنوان الأبرز لمشوار التعاون هذا الموسم هو مشاركته في بطولة آسيا 2 والخروج منها، ولاشك أن خسارة مباراة في كرة القدم أو الخروج من أي بطولة أمر وارد في أي منافسة، ومرارة الخروج شيء حتمي، وقد خرج التعاون من عدد من البطولات المحلية والقارية من قبل، لكن مرارة الخروج لم يكن بهذه الدرجة التي شعر بها جمهور ومحبو التعاون! فلماذا صار الخروج من بطولة آسيا مريرا بهذه الدرجة؟.
من المؤكد أن هذا هو السؤال الرئيس الذي يدور في أذهان ومجالس التعاونيين، وهو السؤال الذي طرحه بعض المحللين والنقاد الرياضيين! وقبل الإجابة عن هذا السؤال، يحسن طرح سؤال مرادف: إلى أي درجة يمكن أن يُربط هذا الخروج بأداء إدارة النادي وكفايتها؟.
من المهم جداً أن تأتي الإجابة على هذا السؤال متحررة من المشاعر السلبية والانفعالات التي تعقب مثل هذا الخروج من بطولة بهذا الحجم الذي من الواضح أنه تسبب في حجب الرؤية عن الكثير من نجاحات الإدارة في بعض الملفات، ولهذا فإن من الواقعية و الموضوعية أن يأتي الطرح الناقد متوازنا، يشير إلى مواطن الإخفاق كما يوضح مظاهر النجاح، لذا فإن مجمل القول في أداء الإدارة التعاونية الحالية خلال فترتها أنها قامت بواجباتها المنوطة بها في أكثر من مجال وحققت فيها قدرا من النجاح، من ذلك على سبيل المثال تحقيق مراكز متقدمة في سلم الدوري لموسمين ماضيين، وما تحققه الفئات السنية في كرة القدم حاليا، وبعض الألعاب المختلفة كما لا يمكن أن ننسى المركز الإعلامي وجهده الحيوي إلى غير ذلك من النجاحات.
أما الإجابة عن السؤال السابق بشأن الخروج من بطولة آسيا، فإنها تتطلب الوقوف على فترتين زمنيتين (قبل البطولة وأثنائها).
انتهت مباراة التعاون مع نادي الاتفاق في موسم 2024 يوم الاثنين 27/5/2024 بفوز التعاون بهد مقابل لاشيء سجل الهدف عبد الملك العييري، في مباراة مصيرية ومنافسة قوية من نادي الاتحاد، حضر المباراة جمهور تعاوني كبير ، حضروا ليزفوا فريقهم إلى مركز يؤهلهم للمشاركة الآسيوية، وبالفعل تم لهم ما أرادوا .
تاريخ هذه المباراة له أهمية بالغة لدى التعاونيين عموما ولدى إدارة النادي تحديدا، لأنه يمثل نقطة انطلاق على مستوى ( التخطيط والإعداد ) لهذه البطولة القارية، فهل جاء الإعداد موازيا لأهمية البطولة؟
المباراة آنفة الذكر كان نجمها الأول الظهير الأيمن عبدالملك العييري. كانت هذه المباراة هي الأخيرة لعبدالملك مع التعاون، حيث تم التنازل عنه رغم سريان عقده!! وكان القرار المنتظر أن يكون البديل بنفس المستوى أو قريبا منه، لكن هذا لم يحدث (مركز الظهير الأيمن مثّل مشكلة رئيسة للفريق ولا يزال)
كما أن الإدارة استعدادا لهذه البطولة لم تنجح في استقطاب أي لاعب أجنبي يصنع الفارق ، خلال فترة الانتقالات الصيفية! ثم حاولت أن تستدرك هذا خلال الفترة الشتوية ( وهي فترة يدرك المتمرسون في العمل الإداري أنها فترة تصريف البضاعة الكاسدة ) فتم استعارة عبدالحميد صابيري واستبدال المهاجم بيدرو بمهاجم آخر (بكل تأكيد أنهما ليسا خيارين موفقين لخوض بطولة آسيوية أو محلية!)
ثم تأتي إصابة اللاعب البرازيلي فلافيو، الذي لا يمثل النجم الفارق، لكن وجوده ضرورة في ظل الحاجة الماسة لجميع العناصر، ولم توفق الإدارة في اتخاذا الإجراء المناسب تجاه موضوعه ، رغم أن إصابته كانت خلال انتقالات الفترة الشتوية.
وهذا يوضح أن ملف التعاقد مع اللاعبين الأجانب يمثل المأخذ الأبرز الذي تعتب فيه الجماهير على الإدارة، وهو من أهم الملفات التي تقيس المهارة (الفنية) لأي إدارة، لقد اعتادت الجماهير التعاونية على استقطاب لاعبين مميزين.
تتضح الصورة بشكل أوضح عندما نقارن استقطابات اللاعبين في التعاون سابقا رغم فارق الدعم لصالح الإدارة الحالية خلال هذه الفترة: (أفولو، توامبا، كاكو، ميدران، كاسيو) مقابل (فيصل فجر، صابيري، مارتنيز .. إلخ) في الوقت الذي نجحت فرق أخرى أقل في الإمكانات (المادية) والخبرة في دوري المحترفين في جلب لاعبين مؤثرين ، الأمر الذي ينفي حجة التبرير بضعف الدعم من قبل لجنة استقطاب اللاعبين، حيث نجد -على سبيل المثال لا الحصر- في أندية الخلود، ضمك، الفيحاء، الرياض والأخدود وغيرهم لاعبين مؤثرين بينما لو استعرضنا اللاعبين الأجانب في نادي التعاون لوجدناهم -عدا الحارس مايلسون والقائد أشرف مهديوي- أقل من أن يؤهلوا الفريق لمركز متوسط في سلم الدوري، فكيف تتسلح بهم لخوض منافسات قارية؟!هذا ملخص للمشهد الفني للفريق قبل وأثناء البطولة، ولهذا فلا غرابة أن تكون النتيجة انعكاسا للإعداد.
إذن خرج التعاون من البطولة الآسيوية من دور نصف النهائي الذي (لا يمثل إنجازا في نظر عشاق التعاون) الذين تجاوزت طموحاتهم هذه المرحلة بسبب تاريخهم المشرف في سلم الدوري وفي بطولة آسيا عموما، ومع خروج التعاون انتهى الفصل الأخير من الرواية بمشهد حزين!.ثم جاءت مباراة الديربي مع نادي الرئد الشقيق بنتيجتها وتوقيتها وتبعاتها لتصرف الأنظار قليلا، و لتمثل مجلس عزاء مؤقت لجماهير التعاون ليس بحجم حدث خروجهم من بطولة قارية بكل تأكيد. حضر المعزون، وقدموا أجمل عبارات التعزية مصحوبة بمشاعرهم الصادقة، ثم انفض المعزون، ليستعيد المحبون ذكرياتهم وخيبة أملهم ويسترجعوا ألم ومرارة الخروج من بطولة كانت قريبة جدا وفي المتناول! فهل كانت الإدارة مقصرة في أداء مهامها؟.
أظن أن أغلب الجماهير التعاونية تنظر إلى إدارة الدكتور سعود الرشودي أنها عملت بكامل طاقتها وكان حضورها الإداري واضحا وجليا لكل متابع، لكن المأخذ الأبرز على الإدارة، في رأيي -وكفى المرء نبلا أن تعد معايبه - أن إعداد الإدارة للبطولة الآسيوية لم يختلف عن الإعداد للدوري، فلم توفق في الإعداد للبطولة كما ينبغي، وإن كانت عملت كل ما تستطيع لكنها لم تقدم مهرا يليق بالبطولة فاختارت البطولة من قدر ثم قدم مهرها اللائق بها.إن اكتفاء الإدارة بقدراتها الذاتية (تحديدا في الجمال الفني، حيث بدا واضحا ضعف الفريق في مركزي الظهيرين والمهاجم) وعدم استحضار المعوقات والتحديات خلال فترة الإعداد للبطولة، كان عاملا مهما أدى للخروج المرير من البطولة! لذا فالجماهير التعاونية تشكر الإدارة على ما قدمته خلال فترتها الماضية انطلاقا من إيمانهم أن الإدارة لم تقصر أو تتخاذل!
أما سؤال المرحلة المهم الذي يوجه للإدارة الحالية فهو: ما هي الخطوة المهمة التي يحسن بالإدارة أن تتخذها خلال هذه الفترة؟.
لقد أعلن الدكتور سعود الرشودي في أكثر من مناسبة أنه لن يترشح لفترة رئاسية قادمة، وهو خلال فترته الرئاسية لاشك أنه أدرك أهمية الوقت لإدارة جديدة قادمة ، ويدرك أهمية استقلال أي إدارة بقراراتها، ويدرك الثمن الذي سيدفعه النادي إذا كان هناك فترة انتقالية (أو إدارة مكلفة!) مع بداية الموسم أو قرب بداية الموسم الذي من المتوقع أن يبدأ في شهر أغسطس أو سبتمبر القادم، وهو تاريخ انتهاء فترة الإدارة الحالية، لذا فإن من الصالح العام أن تتقدم الإدارة الحالية باستقالتها بعد آخر مباراة لهذا الموسم مع نادي العروبة في 26 مايو الحالي، على أن يعقب الاستقالة بيان تصدره الإدارة توضح فيه أن مصلحة النادي هي الدافع الأوحد لهذه الاستقالة، لاشك أن هذه الخطوة -إن تمت- فإنها تعكس درجة عالية من تحمل المسؤولية من خلال (موقف لا مجرد حديث) يستحضر مصلحة النادي في الدرجة الأولى وأنها فوق اعتبارات المصلحة الشخصية، وستحتفي وتحتفظ الجماهير بهذا الموقف!.أما رجالات التعاون، فإن هذه المرحلة تمثل منعطفا مهما في مسيرة النادي لإعادته لمسار مزاحمة الكبار والتقدم في سلم الدوري كخطوة مهمة للمنافسة على مراكز المقدمة، وذلك من خلال التهيئة للمرحلة القادمة منذ وقت مبكر، لتتولى الإدارة الجديدة مهامها قبل بداية الموسم بوقت كاف.
وأما الجمهور التعاوني فهم فخورون جدا بناديهم، محتفون بمسيرته المشرفة، وهم على دراية تامة و وعي كاف بأن ما حصل ما هو إلا خطوة جادة في طريق المجد والبطولات، وأن ما حصل للتعاون سبق أن صار لأكبر الأندية العالمية و المحلية، وأن طريق الإنجازات طويل وشاق لكن التعاون على استعداد لخوض هذا التحدي بإمكانات رجاله ومحبيه.
** **
- سالم العُمري