د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عندما نتحدث عن التعليم وتطلعاتنا نحوه فدائماً ما تعلو وتيرة الحديث عن إتقان الطلاب مهارات القراءة والكتابة، فكلما ارتفعت منصات الحراك في أروقة التعليم كان نصيب الفهم القرائي في آخر المراكب وهو في الحقيقة الأول والآخر! فالتعليم بإيجاز «متعلم يقرأ ليتعلم ويكتب كل شيء يجب عليه تعلمه وما يهواه أيضاً وما ينتجه عقله وينبض به وجدانه، ثم يقدم محصلة مجزية لوطنه ومجتمعه». يتشكل تطوير التعليم من خلال تطوير التلقي القرائي وزيادة حجم المقروء، وحتماً يتطلب ذلك الاهتمام بمهارات الاستيعاب القرائي وتحويلها إلى أدلة توجيهية في عمليات التدريس، وباختصار تطوير المعرفة اللغوية وتحقيق الإتقان لمهارات القراءة والكتابة. كما أن الاهتمام التدريسي بفهم المقروء من ممكنات النجاح الكبرى لحراك وزارة التعليم في المجالات المكملة التي تربع كثير منها دون أولوية!
فلابد أن يتوجه اهتمام واضعي معايير المحتوى التعليمي إلى مهارات عليا في القراءة تتطلب استجابات ذهنية معقدة عند الطلاب، وتحقيق التفوق في الفهم القرائي الذي يلزمه عدة مداخل منها مدخل الكتابة كأبرز عنصر معزز للفهم القرائي وردم الفجوة بين معدل تحصيل الطلاب السعوديين مع نظرائهم في البلدان الأخرى فيما تعلنه منصات التحكيم العالمية، وبناء منعطفات آمنة في عمق المطلب القرائي عند إعداد المحتوي التعليمي. ومازال موضوع الضعف القرائي في جملته وتفاصيله من أحاديثنا التعليمية المكرورة التي احتشدتْ بها الملتقيات والمنتديات وأضابير المكاتب منذ سنوات في تقارير وصفية مسطحة مستندها استبانات سريعة؛ ومازال الإنتاج القرائي متدنياً استناداً إلى محصلة نتائج المقاييس الدولية وهي مشكلة عميقة تنمو مع أصحابها؛ فالضعف في الصفوف والمراحل الأعلى لا تنكره العين المجردة، فليت وزارة التعليم تحتكم للبحث العلمي الصادق بطرح المشكلة لدراسة تتبعية طويلة تبنى على منهجية علمية دقيقة وبيانات تراكمية وتفصيلية دقيقة من محصلة سنوات؛ وحبذا أن يُصطفى معلمو القراءة من مصافي الجامعات وأروقتها، كما أنه من الأهمية الاهتمام الأكبر بمعالجة الفجوة بين مقررات تدريس اللغة العربية وأدوات التقويم، فالمطروح أمامنا مقررات تبني المهارات في مستواها الحرفي فقط المتمثل في التعرف على المقروء فالأسئلة لا تتجاوز ذلك المستوى، وتغيب إلا لُماما المستويات العليا من التقويم» الاستنتاج والتحليل والنقد والاسترجاع واستخلاص النتائج والتنبؤ ثم الوصول لدمج الأفكار والوصول للخصائص الفنية للنص والمعنى العام ومن بعدها تحديد وجهة نظر المتلقي.
كما أن محددات التقويم غير واضحة للطالب؛ والمعلم ثانياً والأسرة التي هي عضيد للمدرسة أيضاً وخاصة في المرحلة الدنيا من المرحلة الابتدائية، وكما نعلم للتقويم معايير يجب معرفتها وإتقانها مثل الجوانب المعرفية الملزمة الأخرى؛ والمُتَتبع في التخطيط والسياسات التعليمية يعلم أن خبراء التعليم والقائمين على صناعة معايير المحتوى ومعايير الأداء لمجالات التعلم يضعون المعايير كحزمة ملزمة لجميع من له علاقة من المنتسبين للرابطة التعليمية (الطلاب والمعلمون والمناهج)، فمن الملزم لصانعي المناهج ومنفذي السياسات التعليمية ألا يتجاوزوها كحزمة مرتبطة بكل التفصيلات المعرفية والتنظيمية لعمليات التلقي.
نأمل من وزارة التعليم أن تكون ترقية الذائقة القرائية ورفع مستوى موضوعات القراءة من أسانيدها الأولى في استراتيجياتها بما يتناسب مع واقع الطلاب ومستجدات عصرهم الفوار. وأن يتم التركيز على المحصلة اللفظية واستيعابها، ونأمل كذلك بالتفاتة قوية للمعلمين الذين ينشدون الدعم ببرامج تعينهم على قيادة الطلاب نحو القراءة الحرة المستوعبة، وحتماً فإننا اليوم نحتاج لجميع المنتجات الإلكترونية من أجل التعلم، ولمواكبة وسائط التلقي القرائي في عالم اليوم، فإن الإسهام في زيادة المحتوى الرقمي القرائي العربي الرصين النافع للعقول والمناسب للفهم القرائي، استراتيجية عامة يمكن لوزارة التعليم الإسهام فيها من خلال الملحقيات الثقافية التي تشرف على المبتعثين في الخارج بترجمة الدراسات البحثية والأطروحات العلمية النابهة للمبتعثين إلى اللغة العربية، وتحفيزهم للمشاركة في زيادة المحتوى العربي الرصين على الشبكة العنكبوتية التي هي مصدر أساس للتلقي القرائي بعالم اليوم للطلاب وسواهم!.