م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - تتحكم المشاعر في تفكيرنا تحكماً عجيباً خالياً من المنطقية، ورغم أن التفكير مرتبط بالعقل بل هو وسيلة العقل لخلق الأفكار، إلا أن المشاعر تلعب دوراً أكبر في خلق الأفكار بلا تفكير، إضافة إلى أن المشاعر هي التي توجه طريقتنا في التفكير وتحدد ما نراه وما لا نراه من عناصر التفكير، وبالتالي تتحكم بنوعية الأفكار المستخرجة من عملية التفكير!
2 - المشاعر تدفع الإنسان إلى ربط كل شيء يدور حوله به، فالأحداث والأشخاص والظروف نفسرها ونحللها من واقع صلتها بنا وكأن العالم يدور حولنا.. المشكلة في هذه الحالة أنها تقيد تفكيرنا، وتسبب لنا آلاماً متوهمة، وتدفعنا إلى إساءة تفسير وتحليل ما يدور حولنا، وهذا يؤدي بنا إلى اتخاذ قرارات خاطئة.
3 - المشاعر تقودنا إلى ألاَّ نرى سوى عنصر واحد من القضية أو الموضوع الذي نريد مناقشته وهو العنصر المرتبط بنا شخصياً، ويتم استبعاد بقية العناصر مهما كانت مهمة.. إضافة إلى أننا نركز على الجوانب السلبية ونستبعد الإيجابية، وهذا يجعلنا نحلل الأمور بشكل قاصر وبعيد عن الواقع، لأننا صبغنا الموضوع كله بصبغة شخصية سلبية فلا يعود للتحليل المنطقي مكان.. فيتم تجميع وتضخيم السلبيات وتجاهل كل العناصر الإيجابية بانتقائية مخلة.
4 - المشاعر تجعلنا أناساً حديين فنختار أن نكون مع أحد طرفي الموضوع أو القضية وبانحياز لا مساومة معه، ولا وسطية فيه مهما كنا نسعى للعدل، فنرى كل شيء ذا علاقة بالموضوع بشكل متطرف، فالأمور إما أسود أو أبيض، شجاع أو جبان، ذكي أو غبي، جيد أو سيء.. كل ذلك مصحوباً بسلوكيات وانفعالات متطرفة، إما يأساً أو ابتهاجاً، إما غيظاً أو فرحاً، بكل التأثيرات السلبية على النفس والمحيط، فأن نرى كل شيء إما بشعاً أو عظيماً دون وجود حكم وسط، فذلك شعور مريض.
5 - المشاعر تضعنا في مكان مرتفع فنرى الدنيا بشكل مجمل عام لا تفاصيل فيها، فنحكم على كل شيء بشكل عام حتى لو كان استنتاجنا ذلك قائماً على تفصيل صغير أو أدلة واهية، فتصدر أحكامنا بتعميم مبالغ فيه.. ويصبح المجتمع كله جماعة من الحمقى لأن أحدهم لم يعجبك، وتصبح المهنة حقيرة لا يعمل فيها سوى الحقراء لأن شخصاً نراه حقيراً عمل بها، ونرى أن الفنانين منحلون لأننا شاهدنا مقطعاً منحلاً.. إلخ.. يقع الإنسان في فخ التعميم المبالغ فيه رغم وعيه التام أن الأحكام العامة هي حكم الحمقى.
6 - المشاعر توهمنا أننا نستطيع أن نقرأ الوجوه ونقرأ ما بين السطور ونقرأ الأفكار ونقرأ النوايا، وهذا يؤدي بنا إلى توقع خطواتهم القادمة وردات فعلهم تجاه سلوكياتنا معهم، ونظرتهم وآرائهم فينا، ومشاعرهم تجاهنا، وبالتالي نبني أحكامنا على توهمات تفسد علاقاتنا بالآخرين من حيث نعلم أو لا نعلم.. فنتخذ قرارات نندم عليها لأننا اتخذناها بناءً على وهم.. قراءة أفكار الآخرين هي حالة من الإسقاط النفسي الذي يعد مرضاً لا فراسة.
7 - مشاعرنا تُهَوِّل الأحداث والأمور في عقولنا، فنؤمن قطعاً أن النار من مستصغر الشرر في كل حال وكل أوان، فنكبر الصغائر ونُهَوِّل الأخطاء، فنصاب بالقلق من كل شيء، ونعيش حالة هلع مبالغ فيها تعيق حركتنا وتوقف الإثارة في حياتنا، فخطأ صغير يصبح كارثة، واقتراح عابر يصبح انتقاداً لاذعاً.. ونضخم الأحداث والعوائق والعقبات حتى تصبح مهولة الحجم والصعوبة رغم أنها تافهة في حقيقتها لا تدعو إلى التشاؤم واليأس والقنوط.. يقابل التهويل والتضخيم الاستخفاف والمبالغة في التسطيح، فتكبير الصغائر يتحول إلى تصغير الكبائر.. فيكون الإنسان في هذه الحالة كمن ينظر إلى الحياة ليس من عينيه مباشرة إنما من خلال مكبر، فينظر من جهة فيهول الأمور ويضخمها، ثم ينظر من ذات المكبر لكن من الجهة الأخرى فيقلل من الأمور ويبعدها.. فهو لا يرى الحياة بشكل سوي معتدل سليم.
8 - مشاعرنا تضعنا في مقارنة مع الآخرين في الطول، وفي الجمال، وفي الثراء، وفي المهارات، وفي المنصب، وفي الموقع، وفي السكن، وفي السيارة، وفي الزواج والأبناء، في كل شيء تقريباً.. ونفترض أن ردود أفعال الآخرين متعلقة بنا دائماً.. وهذا نتيجة لآلية عمل المشاعر، وهي ربط كل شيء يحيط بالشخص به، وكأن العالم بهمومه ومواضيعه وأحداثه وشؤونه وشجونه ذات علاقة مباشرة بهذا الشخص، فهو محور الكون.
9 - مشاعرنا تلزمنا بأن نكون على غير ما نحن عليه أو ما نريد أو نستطيع أن نكون عليه.. فمثلاً يجب أن أكون كريماً رغم أنني لا أستطيع مادياً، ويجب ألا أبكي رغم حزني فالرجال لا يبكون، ويجب أن أتحمل الألم كالرجال، ويجب أن أدعي المعرفة رغم جهلي، ويجب أن أظهر بأحسن حُلَّة رغم فقري.. وبقدر ما أن تلك القواعد الملزمة مؤذية ومتعبة للشخص فهي مؤذية بالنسبة للآخرين، لأننا نضع شروطاً متعسفة لسلوك الشخص نفسه وسلوك الآخرين، ولهذا سوف نشعر بالغضب وننتقد من لا يتقيد بها مثلنا.