د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
قد ينتهي الفعل الناقص بألف كما ينتهي الاسم المقصور، فلا تظهر عليه حركة إعراب أو بناء، ولذا يذهب النحويون إلى تقدير الحركة للتعذر؛ وأدى ذلك إلى أنَّ الفعل على بناء (أفعل) والاسم على البناء نفسه قد يتماثلان في الصوت ويختلفان في التصنيف، فلفظهما مشترك بينهما قياسًا. وسأضرب لذلك أمثلة أرتبها ترتيبًا هجائيًّا:
1- أجلى
قال ابن فارس «جَلَا الْقَوْمُ عَنْ مَنَازِلِهِمْ جَلَاءً، وَأَجْلَيْتُهُمْ أَنَا إِجْلَاءً»(1).
قال ابن دريد «وَرجل أجلى وَامْرَأَة جلواء إِذا انحسر مقدم وجههما من الشّعْر»(2).
2- أحصى
قال تعالى « ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا» [12-الكهف]
قال أبوحيان «وأَحْصى جوّز الْحَوْفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مَاضِيًا، وَمَا مصدرية وأَمَدًا مَفْعُولٌ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ أَفْعَلَ تفضيلٍ وأَمَدًا تَمْيِيزٌ. وَاخْتَارَ الزَّجَّاجُ وَالتِّبْرِيزِيُّ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلَ لِلتَّفْضِيلِ. واختار الفارسي والزمخشري وَابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ تَكُونَ فِعْلًا مَاضِيًا»(3).
3- أحفى
قال الأزهري «وَقَالَ اللَّيْث: أحفى فلانٌ فلَانًا إِذا برَّح بِهِ فِي الإلحاف عَلَيْهِ أَو مُسَاءلة فَأكْثر عَلَيْهِ فِي الطّلب»(4). وقال ابن سيدة «صَاحب الْعين، أَحْفَى الرجل حَفِيت دابَّتُه»(5)، قال ابن القطاع «و(أحفى) الرجلُ حفِيت دابتّه. وشاربَه استقصى أخْذه»(6).
وفي الأمثال «رُبَّ شانِئَةٍ أَحْفَى مِنْ أُمٍّ»(7).
قال «الجَلْفُ أَحفَى من الجَرْفِ، وهو الاستِئْصَالُ: أي أَصابَت مالَه آفَةٌ أذهَبتْه واستَأْصَلَته»(8).
4- أحْلى
قال الخليل «ويُقال: ما أَحْلَى فلانٌ ولا أَمَرَّ، أي: ما تَكلَّم بحُلو ولا مُرٍّ»(9).
قال أبو علي القالي «تقول العرب: أحْلى من الشُّهْدِ. وأحْلى من العسل»(10).
5- أدْنى
قال الأزهري «وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ضربه ضربًا أقَصَّهُ من الْمَوْت، أَي: أدناه من الْمَوْت حَتَّى أشرف عَلَيْهِ»(11).
قال الشاعر(12):
مثل الضِّباع إذا راحت مُهَنْبِلَةً
أَدنَى مآوِبِها الغِيرانُ واللَّجَفُ
6- أرْوى
قال الرازي «وَ(رَوَّاهُ) الشِّعْرَ (تَرْوِيَةً) وَ(أَرْوَاهُ) أَيْضًا حَمَلَهُ عَلَى (رِوَايَتِهِ)»(13) قال ابن سيدة «أَبُو حنيفَة: رَوِيَ رِيًّا - شرب حَتَّى انتهى نَفَسُه، وأرواه سَاقيه»(14).
قال أبو علي القالي «يقال: أَرْوَى من النَّقّاقَة، وأَرْوى من النِّقاقِ وهو الضفدع. قال ابن حبيب: ويقال: أَرْوى من ضَبّ، وذلك أنَّه لا يرد الماء إنَّما يستنشق الريح»(15).
7- أزْهى
قال الأزهري «أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا ظَهَر فِي النَّخل الحُمْرة، قيل: أَزْهَى يُزْهِي، وَهُوَ الزَّهْو، وَفِي لغةِ أهلِ الحجار: الزُّهُوّ»(16).
قال أبو علي القالي «تقول العرب: أزْهى من حَنْتَم الحناتم، وهو من تيم اللات بن ثعلبة، وكان شديد الزهو. وأزهى من غراب»(17).
7- أصفى
قال ابن القطاع «و(أصفى) لصديقه أخلص مودته و(أصفيتك) الشيءَ جعلته لك خالصًا، والشاعرُ انقطع شعره، والرجلُ انقطع جِماعُه، والدجاجةُ انقطع بيضُها، والقومُ صارت إبلهم وشاؤهم صفايا»(18).
قال أبو علي القالي «تقول العرب: أصفى من عين الغراب. وأصفى من عين الديك،...
وخمر سُلاف يحلِف الديك أنها
لدى المزج من عينيه أصفى وأنوَر»(19)
8- أطْغى
قال الحميري «يقال: أطغى فلانًا مالُه: إذا حمله على الطغيان»(20).
قال أبو علي القالي «وأطغى من السَّيل»(21).
9- أعدى
قال الأزهري «والعَدْوى اسْم من أعدى يعدي فَهُوَ مُعْدٍ»(22).قال الجوهري «وراكضت فلانًا، إذا أعدى كلُّ واحد منكما فرسَه»(23).
قال أبو علي القالي «تقول العرب: أعْدى من الجَرَبِ»(24). وقال الجوهري «وفيه المثل: أعدى من الشنفرى»(25). وقال ابن سيدة «وَقَوْلهمْ: أعْدَى من الذِّئْب، قَالَ ثَعْلَب يكون من العَدْوِ وَيكون من العَدَاوَةِ»(26).
10- أغْلى
أورد ابن سيدة قول حسان بن ثابت(27):
ولأنتِ أحْسَنُ إِذْ برزتِ لنا
يومَ الخروجِ بساحةِ العَقْرِ
من دُرَّةٍ أغْلىَ بهَا مَلِكٌ
ممَّا تربَّبَ حائرُ البَحْرِ
قال ابن الأثير «أَيْ لَا يُلْزم بعَطِيَّة الْحِنْطَةِ لِأَنَّهَا أغْلى مِنَ التَّمر بالحجازِ»(28). وقال الفيومي «وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ إذَا زَادَ وَارْتَفَعَ قَدْ غَلَا وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَغْلَى اللَّهُ السِّعْرَ وَغَالَيْتُ اللَّحْمَ وَغَالَيْتُ بِهِ اشْتَرَيْتُهُ بِثَمَنٍ غَالٍ أَيْ زَائِدٍ»(29).
11- أغنى
قال تعالى «وَأنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنى» [48-النجم]، وقال تعالى «وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى» [8-الضحى]
قا ل ابن فارس «يقال: أغنى من التفةِ عن الرفة، وهي دويبة تأكل اللحم» (30).
12- أغوى
قال الأزهري «والغوايةُ: الانهماك فِي الغَيِّ، وَيُقَال: أغواهُ: إِذا أضلَّهُ» (31).
قال أبو علي القالي «يقال: أغوى من غوغاء الجراد، وهي الصغار، الواحدة غوغاء» (32).
13- أفنى
قال ابن دريد «قَالَ الشَّاعِر(33):
أعاذل إِنَّمَا أفنى تلادي ... وأقرح عَاتِقي حملُ النجاد»
قال الزبيدي «ويقالُ: (شَعَرٌ أَفْنَى) أَي: (فَيْنانٌ)، أَي طويلٌ» (34).
14- أقوى
«وقال عنترة(35):
حُييتَ من طلَلٍ تقادمَ عهدُه... أقوى وأقفر بعد أمِّ الهيثمِ»
قال الجاحظ «والفيل أقوى من جميع الحيوان إن حمّل الأثقال» (36).
13- أمضى
قال الخطابي «فقال الحجاج: قاتله الله، ما أمضى جَنَانَه وأَحْلَفَ لسانه» (37). وقال الرازي «وَ(أَمْضَى) الْأَمْرَ أَنْفَذَهُ» (38).
أورد ابن دريد قول الشاعر(39):
لزوار ليلى مِنْكُم آل برثن.
على الهول أمضى من سليك المقانب
قال الفارابي «والْخازِقُ: الْسّنانُ يُقالْ: هو أَمْضَى من خازِقَ»(40). وقال أبو علي القالي «يقال: أمضى من السيف، وأمضى من السيل تحت الليل» (41).
14- أنقى
قال ابن القطاع «و(أنقى) العظمُ: صار فيه نِقْي، والناقةُ: سمنت وغيرها كذلك»(42). وجاء في الحديث «لَمَّا جُرِحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مَصَّ جُرْحَهُ(43) حَتَّى أَنْقَاهُ وَلَاحَ أَبْيَضَ» (44).
قال أبو علي القالي «تقول العرب: تركهم على أنقى من الراحة. وفلان من الخير أنقى من طست العروس، وذلك أنَّ طست العروس تكون مجلوة أبدًا» (45).
15- أهدى
قال الرازي «وَ(الْهَدِيَّةُ) وَاحِدَةُ (الْهَدَايَا) يُقَالُ: (أَهْدَى) لَهُ وَإِلَيْهِ» (46).
قال أبو علي القالي(47) «تقول العرب: أهدى من النجم، قال الشاعر:
وأَصْبَرُ مِنْ عَوْدٍ وأَهْدَى إِذا سَرَى
مِنَ النَّجْمِ في داج مِنَ اللَّيْلِ غَيْهَبِ
ويقال أيضًا: أهدى من القطا، قال الطرمّاح:
تَمِيمٌ بِطَرقِ اللُّؤْمِ أَهْدَى مِنَ القَطا.
وَلَوْ سلَكَتْ سبْلَ المكارِم ضَلَّتِ»
**__**__**__**__**__**
(1)مقاييس اللغة لابن فارس، 1/ 468.
(2) جمهرة اللغة لابن دريد، 1/ 493.
(3) البحر المحيط في التفسير لأبي حيان، 7/ 146.
(4) تهذيب اللغة للأزهري، 5/ 167.
(5) المخصص لابن سيدة، 1/ 178.
(6) كتاب الأفعال لابن القطاع، 1/ 258.
(7) مجمع الأمثال للميداني، 1/ 302.
(8) المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث لأبي موسى المديني، 1/ 340.
(9) العين للخليل بن أحمد، 3/ 296.
(10) كتاب أفعل لأبي علي القالي، ص86.
(11) تهذيب اللغة للأزهري، 8/ 212.
(12) العين للخليل بن أحمد، 4/ 129.
(13) مختار الصحاح للرازي، ص: 132.
(14) المخصص لابن سيدة، 3/ 204.
(15) كتاب أفعل لأبي علي القالي، ص88. والوارد في المطبوع (يَسْتَشِف) والصواب ما أثبته.
(16) تهذيب اللغة، 6/ 197.
(17) كتاب أفعل لأبي علي القالي، ص81.
(18) كتاب الأفعال لابن القطاع، 2/ 258.
(19) كتاب أفعل لأبي علي القالي، ص68.
(20) شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم للحميري، 7/ 4123.
(21) كتاب أفعل لأبي علي القالي، ص92.
(22) تهذيب اللغة للأزهري، 3/ 73.
(23) الصحاح للجوهري، 3/ 1080.
(24) كتاب أفعل لأبي علي القالي، ص84.
(25) الصحاح للجوهري،2/ 701.
(26) المحكم والمحيط الأعظم لابن سيدة، 2/ 318.
(27) المحكم والمحيط الأعظم لابن سيدة، 3/ 436.
(28) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير،2/ 399.
(29) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي، 2/ 452.
(30) مجمل اللغة لابن فارس، ص: 368.
(31) تهذيب اللغة للأزهري، 8/ 186.
(32) كتاب أفعل لأبي علي القالي، ص90.
(33) جمهرة اللغة لابن دريد، 1/ 451.
(34) تاج العروس للزبيدي، 39/ 258.
(35) قواعد الشعر لثعلب، ص: 57.
(36) غريب الحديث للخطابي، 3/ 185.
(37) الحيوان للجاحظ، 7/ 66.
(38) مختار الصحاح للرازي، ص: 295.
(39) جمهرة اللغة لابن دريد، 1/ 374.
(40) معجم ديوان الأدب للفارابي، 1/ 356.
(41) كتاب أفعل لأبي علي القالي، ص69.
(42) كتاب الأفعال لابن القطاع، 3/ 276.
(43) يعود الضمير في (مصّ) إلى مَالِكٍ والد أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
(44) سنن سعيد بن منصور، 2/ 261.
(45) كتاب أفعل لأبي علي القالي، ص89.
(46) مختار الصحاح للرازي، ص: 325.
(47) كتاب أفعل لأبي علي القالي، ص71.