يقع الكتاب في مائة وثلاث وتسعين ورقة من القطع الكبير، وعنوان الكتاب في آخره تساؤل، ولعل هذا الصحفي الذي عبر مسالك المهنة وجد الكثير الكثير، حين غذَّ مسيرة متدثراً بالورق، ومستدلاً بالقلم في رحلة حياة استمرت على مدى الثلاثين عاماً، حيث كانت البدايات الإشراف على صفحتي الجيل والطلائع في صحيفة اليمامة الأسبوعية، إلى جانب كتابات هنا وهناك جاءت متناثرة ومنشورة في صحف سعودية، ثم انتهت بمهمة رئيس تحرير لصحيفة يومية، هذه الرحلة تمخضت عنها خبرة طويلة، ودربة مكتسبة في مجال العمل الصحفي، وقد جاءت منسوجة مغزولة في كتاب يضم بين دفتيه ستة فصول، تحكي الإيجابيات والسلبيات، ويفوح منها همّ يشغل بال الصحفي السعودي، وطموح يرجو على مدى السنين والأيام أن يتحقق، وينتقل من صيد الأماني إلى صيد الواقع، والآن إليك بخبرة هذا الصحفي الذي عبر مسالك مهنة الصحافة، فوجد الكثير الكثير.
شرع المؤلف في الحديث عن الفصل الأول من كتابه وقد عنون له بالعنوان التالي: مراكز المعلومات، أهميتها إعلامياً، قضاياها ومفاهميها في نطاق العربية، وقد تحدث فيه المؤلف عن فوائد نظام الربط الآلي بين عمليتي الصف والإخراج، ومن مباحث هذا الفصل المهمة مبحث سلبيات شيوع أنظمة المعلومات الآلية في عالمنا العربي، ومن المعلومات القيمة في هذا الصدد التي تبين للقارئ وللصحفي المهني خطورة أجهزة الحاسبات الآلية في تحديد نتائج على مستوى الدول من الناحية الاستراتيجية أن بعض الدول الغربية والشرقية تعمد إلى عمليات حسابية بحتة في تحديدها لمواقف زعماء الدول منها، فتستخرج من الحاسبات الآلية عدد كلمات هذا الزعيم أو ذاك، وتقوم بإحصاء عدد الكلمات التي في صالحها، والأخرى التي ضدها ثم يأتي البدء في عملية حسابية عددية حيث تطرح الكلمات الإيجابية من السلبية، فإن كانت النتيجة لصالح الإيجابيات صار هذا الزعيم صديقاً، وإن كانت النتيجة عكسية صار الزعيم عدواً، ولم يفت المؤلف من خلال هذا البحث الإشارة إلى أهم المشكلات المتصلة بالكتابة العربية من خلال الحاسب الآلي، وحول أهمية الحاسب الآلي طرق المؤلف أبعاداً ثلاثية مهمة، وهي: البعد التربوي، البعد اللغوي، المختصرات، هذا وقد أشار المؤلف إشارة جميلة، أخرجتنا من جو المعلومات ونظمها ومشاكل الحاسوب ولغته إلى روضة الأدب، حين ساق مقالاً له عنوانه (ومليحة شهدت لها أعداؤها) ناقش فيه مثالاً منشوراً في مجلة عربية لا ينطق محررها الضاد.
نص كاتب المقالة فيها على عمق العربية، وإسهامها في إثراء اللغة الإنجليزية في نواحٍ مختلفة اجتماعية وعلمية واقتصادية وغيرها، وقد أشار المؤلف في مؤلفه إلى جهود علمية عصرية لعلماء عرب ضليعين في مجال اللغة العربية، وآدابها ومحاولة حل معضلاتها اللغوية من حيث استخدامها على نطاق الحاسوب الآلي، وكان ذلك في مبحث عنوانه «عمق القضية برؤية علمية»، وقد كان المؤلف حريصاً في مبحثه هذا على الإشارة إلى ندوات علمية هادفة تطلعت إلى خدمة اللغة العربية وتيسير عسيرها في مجال خدمة الحاسوب الآلي، وتقنية معلوماتها، حيث كان يلخص نتائجها في نقاط مركزة ومختصرة.
وفي الفصل الثاني من الكتاب الذي سمّاه المؤلف: «أهمية مراكز المعلومات في عالم الصحافة» عرّف المؤلف كلمة الأرشيف ويُعنى بها المكتب أو الورقة، أما من حيث المضمون فيعرفها المؤلف بقول: مجموعة الوثائق الرسمية لأي بلد من البلدان بما في ذلك: الأنظمة والقرارات، والقواعد المعتمدة للتعامل داخل الدولة، وكذلك الاتفاقيات وما يلحق بها من (بروتوكولات)، ومن معلومات الكتاب الهادفة التي سيقت في هذا البحث محاولة الإجابة عن هذا السؤال المهم وهو: لماذا تحتل الصحيفة اليومية المرتبة الأولى من بين وسائل الاتصال الجماهيري؟ حيث كانت الإجابة ببساطة (أن الصحف السيارة، ومنها اليومية والأسبوعية، وكذا المجلات الدورية، شهرية كانت أو فصلية، تتناول إلى جانب الاهتمام بالحدث، جميع الموضوعات الفكرية في مجال الثقافة والعلم، كما أن المعلومات التي تتناولها تعد في مضمونها من القضايا الجارية الحية في ذهن القارئ، سواء كان هذا التناول مباشراً، أو غير مباشر، لذا أصبحت الدوريات بجميع فصائلها من المصادر الفنية لأي مركز معلومات يطمح إلى توفير خدمات فكرية بحداثتها وسعتها)، وفي هذا الفصل إشارة إلى مرحلة جمع القصاصات الصحفية ثم مرحلة الانتقاء الموضوعي المحايد، وإلى أنواع المعلومات التي يجب أن يضمها مركز المعلومات الصحفي.
ثم شرع المؤلف في الفصل الثالث وعنوانه: (تجربة حية، مركز معلومات مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، الجزيرة المسائية) وفيه تطرق المؤلف إلى فكرة إنشاء مبنى المؤسسة ثم التفكير العام في إنشاء كشافات الجزيرة، والكشاف هو: (قائمة هجائية عادة بأسماء الأشخاص أو المواضيع أو العناوين أو غير ذلك مما ورد في الكتاب أو بها جميعاً، ويشار أمام كل مادة إلى رقم الصفحة التي ورد فيها داخل الكتاب)، وأما وظيفته فهي (تنظيم وتحليل فني لمحتويات مصادر المعلومات، وبخاصة مقالات الدوريات والمواد الإخبارية والتحريرية).
أما رابع فصول الكتاب فعنوانه (شبكة إنترنت Internet) هل هي عامل مساعد أو منافس للصحافة؟ إيجابيات هذا الوافد وسلبياته على الوسائل الإعلامية المعروفة، وفي هذا الفصل إشارة مهمة إلى كيفية ولادة شبكة الإنترنت، ثم بحث في أسباب سرعة انتشاره ومنها:
- استخدام بروتوكول عام ليتعامل مع معظم الأجهزة والبرامج بكل ما تضمه من معلومات.
- انخفاض تكلفة الاتصال.
- خروج بروتوكول الإنترنت عن سلطة يمكن أن تضع القيود على نوعية المعلومات أو حجمها.
- المشترك يمكنه التعامل مع ما يرغبه وفي أي وقت يرتاح له بصورة انتقائية.
وحول شؤون المهنة وشجونها كان موضوع الفصل الخامس وعنوانه: (شؤون المهنة وشجونها، النظام واللوائح، والعاملون في نطاقها)، وقد ألمح فيه المؤلف إلى أهمية الصناعة الإعلامية، وإلى بعض متاعب الصحافة العربية، ثم إلى خطوات التنسيق في الشؤون الإعلامية على مستوى دول الخليج العربي ومنها: الدلالات القاطعة لمنطلقات الإعلام السعودي، واستيفاؤه لبعديه العربي والإسلامي والتي حددها الملك عبدالعزيز - رحمة الله عليه - في ثلاثة أبعاد، في قوله في خطبه الجامعة (أنا داعية لعقيدة السلف الصالح)، (أنا مسلم، وأحب جمع كلمة الإسلام والمسلمين)، (أنا عربي، وأحب قومي والتآلف بينهم وتوحيد كلمتهم).
وأخيراً جاء فصل الكتاب السادس وعنوانه: (وكالات الأنباء) وقد بيَّن المؤلف أهمية وكالات الأنباء في تدفق المعلومات، وتحليل الأحداث، وقد لاحظ المؤلف من خلال خبرته الصحفية على نشاطات هذه الوكالات ما يلي:
1 - احتكار هذه الوكالات للخدمات المعلوماتية.
2 - ادعاء هذه الوكالات حيادية ما تبثه من معلومات، وإن هذا غير صحيح.
ولم يفت المؤلف أن يشير إلى وكالة الأنباء السعودية (واس) التي تأسست عام 1390هـ (1970م)، حيث قامت بمسؤولية جمع المعلومات وبثها مع نشاط فكري وسياسي إلى جميع وسائل الإعلام السعودي.
وقد كان المؤلف يختم كل فصل من فصول كتابه بمستخلص بسيط يشير فيه إلى أهم محاور الفصل، ثم ختم الكتاب بثبت المحتويات.
هذا وقد استطاع المؤلف في كتابه هذا أن يخاطب شريحتين من القراء:
شريحة القارئ المثقف، وشريحة القارئ العادي، في لغة راقية غير معقدة ولا مبتذلة، ويغلب على طريقة الكتاب السردية - المنحى العلمي - ، وقد حاول المؤلف أن يعزز كلامه وشرحه لمعلومات كتابه بأمثلة جيدة مبسطة توضح المبهم، وتبين المقصود، وتفصل المختصر، وعنوان الكتاب يحمل معنى التساؤل مما يحدو بالقارئ إلى تصفح الكتاب بشوق، وقراءته بنهم، عله يجد بين فصوله، وضمن طياته جواباً شافياً كافياً، وقد كان له ذلك، وحُق للمؤلف - يحفظه الله تعالى - أن يفخر بهذا الكتاب على رأس مؤلفاته التي ألفها، فقد نقل للقارئ العربي عناء صحفي، استمر عناؤه ومجهوده على مدى سنوات وسنوات من خبرته الصحفية اللامعة.
** **
قراءة - حنان بنت عبدالعزيز آل سيف بنت الأعشى
تأليف: الأستاذ محمد ناصر بن عباس
الطبعة: طبعة دار وراقيّة للنشر والتوزيع: الطبعة الأولى لعام 1418هـ - 1997م.
عنوان التواصل: hanan.alsaif@hotmail.com