م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - من الأدبيات الأسرية السائدة أن الأب أو الأم العاملة يجب أن تترك هموم العمل ومشاكله خارج المنزل قبل الدخول إليه، حتى لا يعكر ذلك جو المنزل ولا يؤثر على تربية الأبناء.. ويروى عن (بيكاسو) قوله: إني أترك جسدي خارج مرسمي حينما أقوم بأداء عملي! ثم نتساءل كيف لنا ذلك؟ الهموم والمشاكل شيء في داخلنا، فكيف ننتزعها من دواخلنا حتى ندخل بيوتنا أو نبدأ في تنفيذ أعمالنا؟
2 - كيف لنا أن نفصل مشاعرنا وأحاسيسنا ومخاوفنا وتوجسنا وقلقنا وانفعالاتنا الأخرى حينما نريد أن نمارس حياتنا الاعتيادية مع أسرتنا أو أصدقائنا أو في أداء عملنا؟ كيف تنتقل من شخص مشغول البال مشحون الخاطر منزعج النفس، متوتر الأعصاب، إلى شخص خالي البال مطمئن النفس هادئ الأعصاب؟ أليس هذا طلبا فيه شطط؟!
3 - كيف لحدث صغير عابر أن يؤثر فينا بهذا العمق، وكان يمكن ألا يحمل أي معنى لو حدث في وقت آخر أو في حالة أخرى؟ ولماذا أثر فينا بالشكل الذي امتد معنا طوال حياتنا؟ وكيف تجمدت تلك اللحظة في عقولنا وأرواحنا وأحدثت كل ذلك الأثر الذي تحكم في أفكارنا وسلوكياتنا ونظرتنا للأمور؟ ولماذا تحول ذلك الحدث الصغير إلى لدغة عقرب يسري سمه في الجسد حتى ينهكه؟ وكيف أصبحت تلك الحادثة ذكرى راسخة تفعل فعلها في الذاكرة ولم تستطع أن تمحها السنين؟
4 - الإنسان كتلة من المشاعر، فكل عضلة وكل عصب وكل عضو فيه، وكل طموح وكل أمل وكل هاجس يخطر على البال، كل ذلك مرتبط بالمشاعر.. كيف نفصل مشاعرنا عن أنفسنا وهي مختلطة بكل شيء فينا اختلاطاً يستحيل فرزه وتفريقه؟ تصور أن تفرز حبات قمح عن حبات ذرة عن حبات أرز عن حبات سكر عن حبات ملح كلها مخلوطة مع بعضها في كيس واحد، وعليك فرزها فوراً وفي دقائق ولا أقول ثوان! يا له من أمر شاق سوف يستغرق منك شهوراً لا دقائق، ومع هذا يا لسوء حظك إن لم تفعل وتنجح، فتبعات ذلك ستكون وخيمة عليك وعلى أسرتك وأصدقائك وعملك.. إلخ.
5 - تصور أن عملك فكري أو إبداعي حيث لا حدود في التفكير والإبداع، فكيف تُخَلِّص مَلَكَة التفكير والإبداع لديك وهما يجب أن يصدرا عن طاقة خالصة نقية حتى يمكن إنتاج فكرة أو عمل إبداعي خالص نقي؟ بل كيف يمكن إنتاج شيء نقي في بيئة داخلية ملوثة بالهموم والمشاكل والمخاوف؟ كيف يمكن تحويل الكلمات أو الألوان والصور أو النغمات الموسيقية داخل الدماغ بعد أن تغذت من مشاعرك وأحاسيسك إلى نصوص وأشكال وألحان على الورق، وأنت تتنازع مشاعرك الهواجس والمقلقات والظنون والضغوط؟ كيف تطلق روحك من الأوجاع والمخاوف والمتاعب حتى تبوح وتفصح وتُعَبِّر وتتدفق وتبدع بلا قيود أو حدود؟ يا لها من معجزة، ويا له من طلب يحتاج إلى قدرة إعجازية.
6 - لا شك أن للمشاعر تأثيراً هائلاً على الإنسان، وفصلها عن الجسد أمر مستحيل مهما ادعى البعض.. فالمودة تترك في الإنسان الرغبة في خدمة الآخرين، والاعتراف بالجميل يجعلنا ندين لمن يقدم لنا خدمة، والتعاطف يشجعنا على تقديم خدماتنا للآخرين، والشعور بالإثم يحول بيننا وبين استغلال أو أذية الآخرين.