د. طارق بن محمد بن حزام
في هذا المقال، نفتح ملف «معارك، العقول» لنفهم كيف تتحول الفكرة إلى أداة بناء أو هدم، وكيف يمكن أن تسيطر على الفرد والمجتمع، وتُعيد رسم الخريطة الفكرية للفرد من دون أن تُطلق رصاصة واحدة.
الفكرةُ لا تموت، ولا تُقْتَل ولا تنتحر بل هي أقوى من الرصاص، وكما قيل تسقطُ الأجساد لا الفكرة!
الفكر ليس مجرد محتوى معرفي يُخزّن في الذاكرة، بل هو عملية عميقة تُعيد تشكيل العقل والوجدان معًا.
حين يتسلل فكر جديد إلى عقل الإنسان، يبدأ لا شعوريًا في إعادة تقييم، معتقداته، وتفسيراته ومواقفه من العالم.
ومن المعلوم أن صاحب الشبهة الفكرية يتدين بها، وتبقى في نفسه وتترسخ في فكره وقناعته، بخلاف صاحب الشهوة التي تطرأ وتزول، ويقر مقترفها في خاصة نفسه بقبحها وحرمتها، ولكن غلبه هواه ونفسه الأمارة بالسوء، وقد يندم ويتوب ويستغفر ويأتي بالحسنات المكفرة..
الفكر يملك قدرة هائلة على إحداث «تحولات صامتة» داخل، الإنسان..
تحولات لا تُرى بالعين، لكنها تُترجم، إلى، قرارات وسلوك، واتجاهات حياتية جديدة.
وقد لا يدرك الفرد حجم التغيير الذي أحدثه فكرٌ ما في نفسه إلا بعد فوات الأوان، لهذا، لا عجب أن تكون معركة الأفكار من أخطر أنواع، المواجهات لأنها تستهدف الداخل قبل الخارج، وتخترق الحصون دون قتال.
وكما قيل، من، يربح، العقل، يربح الإنسان كله.
وللتذكير.. لم تعد المواجهات الحديثة تعتمد على القوة الصلبة وحدها، بل دخلنا عصرًا تتصدّر فيه المعركة على العقول حيث تُشنّ الحروب عبر الكلمة والصورة والمنصة الرقمية
والمحتوى الذي يتسلل إلى الأذهان قبل أن يطرق الأبواب.
وفي جانب الوقاية وفي مواجهة سطوة الفكر الموجّه وتيار المعارك الفكرية المتدفقة، لا يكون العلاج بالمنع أو القمع بل بالتحصين.
فالعقل الذي يتغذّى على، الفهم، العميق والمعلومة الموثوقة والحوار المفتوح هو عقل، يصعب، اختراقه التحصين الفكري يبدأ من بناء «مناعة معرفية» تسمح للإنسان أن يميز بين الفكرة الصادقة والزائفة وبين مصدر التلقي السليم والمشبوه، وبين ما يُراد به خير وما يُراد به تضليل.
ويشمل ذلك:
- التربية على التفكير النقدي لا التلقين.
- تعزيز الهوية الوطنية المتوازنة التي تجمع بين الثوابت والانفتاح الواعي.
- فتح قنوات الحوار داخل الأسرة والمجتمع والمؤسسات.
- إحياء المنهج الوسطي الذي يرفض الغلو والانغلاق دون أن يفقد بوصلته.
في معركة العقول، لا تُترك المسؤولية للفرد وحده، بل يتقاسمها الجميع: الأسرة، التعليم
وسائل الإعلام، والمؤسسات الثقافية، فالأسرة الواعية هي الحضن الأول الذي يغرس المبادئ ويعزز الانتماء، وينمي مهارات التفكير.
والمجتمع الذي يوفّر بيئة فكرية، صحية يصنع جيلاً قادرًا على الفرز والاختيار لا التبعية والانقياد.
وختاماً:
إن أخطر ما قد نواجهه ليس الفكر المتطرف بذاته، بل الغياب الجمعي عن معالجته؛ حين تتراجع، الأسرة وتغيب، القدوات ويصمت العلماء والعقلاء.
لهذا، فإن مواجهة هذه المعركة تبدأ من البيت وتُستكمل في التعليم، وتُحصّن في المساجد
والمنابر، وتُعزّز عبر الإعلام المسؤول.
فالفكرة لا تُحارب إلا بفكرة أقوى، والعقل لا يُنقذ إلا بعقل آخر يرشده لا يقهره بل يقنعه، بأسلوب تربوي مشوق جذاب.