د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
تفضل عليّ بإهدائي نسخة منه الصديق الأستاذ القدير صالح بن عبدالله بن عبدالرحمن السعيّد مؤلف المعجم، وكان قد أتحفني قبلُ بالجزء الأول الذي سعدت بقراءة طائفة من مسودته والتعليق عليها، ومادة هذا المعجم مؤسسة على استقراء استغرق سنوات، وكنت زرته في بيته فأطلعني على كرّاسات صغيرة دوّن فيها بعض الغريب من الألفاظ التي يكاد الناس ينسونها.
يأتي هذا الجزء الثاني في ساقة الجزء الأول ليستغرق خمسة أحرف (ج-ذ) في 627 صفحة وأخرج الكتاب إخراجًا طباعيًّا جميلًا مع عناية بلون الورق وبنط الحرف عناية تريح القارئ.
والمعجم تجاوز حدود المعجمية إلى الموسوعية بما تضمنه من حكايات وتفاصيل تزيد عن حاجة شرح اللفظ، مثل حكايات الأمثال وحكايات استطرادية كالحكاية في لفظ الجحّ. وهذه الحكايات إن أخرجت المعجم عن حدوده فهي ممتعة قد يستطرفها القارئ وهي تسجل طائفة من الثقافة والأخبار المفيدة.
ولكبر حجم الكتاب لم يسلم من الأخطاء الكتابية، وهذا أمر لوحظ في الجزء الأول، ولكنها أخطاء يسهل على القارئ إدراك صوابها، ومن هذه الأخطاء ما أعده اضطراب رسم تنوين المنصوب، وهذا أمر لا تسلم منه كثير من الكتب؛ إذ نجد التنوين فيها قد يرسم على الألف مرّة وعلى الحرف قبله مرّة، والأولى توحيد الطريقة مع ترجيحي لرسمه على الحرف لا على الألف؛ لتكون حركة الحرف في موضعها ولعلل أخرى فصّلتها في بحثي عن كيف نرسم تنوين المنصوب.
والملحوظات على الكتاب كثيرة؛ ولكن يمكن الإشارة إلى بعضها. من هذه الملحوظات غموض المدخل مثل (جا يجي)؛ إذ قد يتوهم القارئ أول وهلة أنه كلمة واحدة، والأولى الفصل بفاصل (جا/ يجي)، مع أن (جا) وحدها تكفي، وأرى أن مثل هذا اللفظ لا يستحق الإدراج لأمرين، الأول أن حذف الهمزة، وهو ما يسمى التسهيل، عام يمكن أن يجعل من سمات اللهجة من غير إحصاء أمثلته، والآخر أنه لم يرد في تعريف المدخل ما هو خاص بلهجة المذنب، ونراه يستشهد بأبيات لحميدان الشويعر وهو من القصب. وأورد بعد أبيات الشويعر تعليقًا على فعل الأمر (دْزَفّ) قال « دْزَفّ: بلهجتنا تقال لإيقاف الثّور والبقرة». وهذا يوهم أن ما ورد في البيت مختلف، والحق أن الشاعر استعمل الفعل بهذا المعنى؛ لأنه يخاطب رجلًا عدّه ثورًا.
يبدأ المؤلف بتأصيل اللفظ بذكر المعنى من معجم للفصحى، والأولى أن يعرف باللفظ في اللهجة ثم يذكر أصله الفصيح، ويحسن أن يكون التأصيل من أقدم معجم عربي كالعين فإن تعذر فمن المعاجم التي جاءت بعده، وهو في المدخل (جا يجي) أحالنا إلى القاموس المدرسي ولم يحدد له مؤلفًا ولا ناشرًا مع تعدد الكتب بهذا العنوان. ومن الواضح أن هذا المعجم وسيط، والأولى ما ذكرته سابقًا.
ومما يتوقف فيه معالجته للمدخل (جاب يجيب)، ذكر في المدخل قول الجوهري أن الجأب الكسب ثم ذكر الفعل (جاب) الوارد في محكم التنزيل، ولا أحسبهما مناسبين لتأصيل اللفظ، فاللفظ منحوت من (جاء) وحرف الجر (ب)، وقد أدرك هذا العلامة محمد بن ناصر العبودي فعمد إلى كتابة المثل (البردان يجيب حطب) بهذه الصورة (البردان يجي بحطب)، وجاء به أي أجاءه بمعنى أحضره، جاء في مختار الصحاح (ص: 64) «وَ(أَجَاءَهُ) بِالْمَدِّ جَاءَ بِهِ».
في مدخل (جا مورّش، جا موحّت) الكلام عن مورش وموحت، والأولى جعل ذلك في حرف الواو، وربط مورش بالفعل (تموّر) وهذا بعيد، وكان يمكنه ربطه بمعنى الإسراع في قول الجوهري الصحاح (3/ 1026) «والوَرِشَةُ من الدوابّ: التي تَفَلَّتُ إلى الجَرْي وصاحبُها يكُفُّها. قال أبو عمرو: الوَرِشاتُ: الخِفافُ من النوق». ويمكن ربطه بالفعل (ورَّ) في اللهجة بمعنى أسرع، قال عبد الرحمن السويداء في فصيح العامي في شمال نجد 2/1020 «ورَّ الحصاة بيده ورًّا أي قذف بها بسرعة». أي استعمل الفعل بزيادة الشين، أو هو منحوت من الفعلين (ورّ/ وشّ) بمعنى أسرع في اللغة المحكية. وقال عن (موحت) «وجدتها في بعض معاجم اللغة عربية فصيحة». وليته عيّن معجمًا؛ إذ لم أجد اللفظ ولا جذره في المعاجم.
في المدخل (جاد يجود) أهمل المعنى الأصلي للفعل وهو الدلالة على الجودة كما في معجم العين للخليل بن أحمد (6/ 169) «جاد الشّيء يَجُودُ جَودَةً فهو جيد». والطريف أنه استشهد بقصيدة الشريف الذي تردد فيها (وان جاد حظّك) وهو يعني الجودة لا الكرم. والفعل جاد يدل على الكرم والبذل كما قال المؤلف ومن أقوالهم (الجود من الموجود)، وهو قول فاته ذكره على شهرته.
في المدخل (جاعد) كتب بعده «عربية فصيحة»، ولم يورد ما يشهد لذلك، ولم أجدها في كتب التراث التي لدي، ولعل الأحرى ما ذكره عبدالرحمن السويداء في فصيح العامي في شمال نجد 3/ 1219. قال «جَعَدَ: جَعَدَ الرجل الشيء يجعده جعدًا إذا شقّه، وجعد بطن خصمه بالسكين أو غيرها إذا شقّه، وجعد ثوبه شقّه، والجاعَد جلد يدبغ ويدهن ويبقى فيه صوفه، ويجمع الجاعد على جواعد ويستخدم للجلوس عليه على الأرض وعلى أكوار النجائب والآن فوق مقاعد السيارات». والجاعد المستعمل للأطفال كما رأيته منزوع الشعر، وجاعد اسم آلة على بناء (فَاعَل) مثل خاتَم.
وجاء في مدخل (جاكر يجاكر) قوله «عربية فصيحة»، قال ذلك لأنه أراد أن يصف كل ألفاظ اللهجة بالفصاحة، وهذا لا يلزم، ولم يورد ما يدل على الفصاحة بل أورد ما ينقضها وهو نقله عن معجم الكلمات الدخيلة في لغتنا الدارجة للعلامة العبودي فاللفظ دخيل حتى في اللغة الدارجة؛ ولكن يمكن ربطه بأصل فصيح مع التنبيه لانتقال المعنى وتوسعه، قال الأزهري في تهذيب اللغة (10/ 6) «وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجُكَيْرَةُ: تصغيرُ الجَكْرَةِ وَهِي اللَّجاجة. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: أَجْكَرَ الرجُل إِذا لجَّ فِي البيع، وَقد جكِرَ يَجْكَرُ جَكَرًا». وربما كان الفعل (جاكر) مأخوذًا من (جوكر) الإنجليزية (joker) أي ضاحك، وهي ورقة من أوراق اللعب، وكانت تستعمل عوضًا عن أي ورقة مفقودة، فقد يكون جاكر بمعنى استعمل الجوكر ليتغلب على خصمه.
ومهما تكن الملحوظات التي يمكن تسجيلها فإنها لا تحجب الجهد العظيم الذي بذله المؤلف مشكورًا مأجورًا.