د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
احتضنت بلادنا منذ دخول موسم الحج ملايين المسلمين الذين وفدوا وأدوا ركناً من أركان الإسلام «مناسك الحج»، ولقد شاركتهم بلادنا باقتدار شرط القدرة والاستطاعة «لمن استطاع إليه سبيلاً «فأشعلتْ بلادنا الدروب الخضراء عبر بواباتها الجوية والبحرية والبرية تدفعها غاياتٌ مثلى؛ منبعها عقيدة راسخة؛ ويقين أكيد بالتزام خدمة حجاج بيت الله بإرادة لا تلين واتكاء متين على أولي العزم من العاملين في مؤسسات بلادنا تخطيطاً وتنفيذاً؛ فاستسقى حجاج بيت الله رحيق المشاعر في رحلة مقدسة لا يستطيع أحد أن يرسم لهم معالم الدرب إلا من خلال يقينهم بمكاسبهم فيها (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) (27) سورة الحـج.
في كل عام من مواسم الحج يتلقى الحجاج جهوداً متجددة تُدير وباقتدار دفة التطوير في قيادة مواسم الحج في نمو حثيث عاماً تلو عام، فتبدو مكة المكرمة مدينة الأنوار تسقي ترياقها لكل حاج يؤمها فتتجلّى فيها جهود حاضرة جبارة لضبط ذلك المؤتمر الإيماني العظيم المتصل بعقيدة المسلمين المتمم لإسلامهم؛ ولقد شاهد حجاج بيت الله هذا العام مثل ما سبقه من مواسم الحج جموعاً مؤهلة تُرتب تفاصيل المشهد وفق توجيهات قيادتنا الرشيدة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد - حفظهما الله -؛ فإذا ما تحدث العالم عن إدارة الحشود فهو في بلادنا مكين أمين، وإن تباروا في أطروحات التنظيمات الإدارية فقد حصدتها بلادنا في مواسم الحج باستحقاق بلا منازع؛ وأن رُصدتْ مواقع الأمن وحياض الحماية فإن أمن الحجاج وثائق حقيقية يستظل بها الحجاج في كل شبر من المشاعر المقدسة؛ وإن كانت للبيئات المثالية أمثلة عند المنظّرين فإن بلادنا حازت منها أطواق سمو وبطاقات تميز وأوسمة شرف؛ وإن أشاد العالم بمؤسسات الصحة فبلادنا في العدوة العليا منها فلم تكن منشآت بلادنا الصحية في المشاعر معدة لاحتضان العوارض فقط إنما بلغت شأناً عظيماً قدرة واستيعاباً وإتماماً! فطبيعة الإنجاز في واقع المشاعر المقدسة؛ وتتابع المقاصد السامية في مواسم الحج؛ وكثير من الاستراتيجيات الكبرى التي منحتها بلادنا مفاتيح الدخول إلى كل المشاعر لتيسير أداء المناسك على حجاج بيت الله بتوفيق من الله ثم بعزيمة المخلصين من أبناء بلادنا العظيمة، وذلك الاستمرار المتدفق وتلك المشاريع العملاقة في المشاعر وتلك الطاقات البشرية المؤهلة لراحة الحشود القادمة من الحجاج ثم الحصاد السنوي في كل موسم حج عندما تسطع أضواء المنجزات في الآفاق، ويعلو صوت الاستحقاق إعلامياً في أنحاء العالم بأن خدمة ضيوف الرحمن شرف لبلادنا وتسمّى به ملوكنا وتساموا به؛ كما أن المواقف الثابتة منذ الأزل تجاه ألوية الحجيج التي برعت فيها قيادتنا منذ الأزل، حينما حققتْ باقتدار كبير في صناعة التنسيق بين قطاعات الدولة المختلفة لترسيخ خدمات متميزة لضيوف الرحمن، وأبدعتْ بلادنا في قيادة مراحل أداء النسك بكفاءة واقتدار وكان لبلادنا شرف المكان والشعيرة؛ واستباق الفضل من الله في ذلك.
ولعل من حديث الواقع حين نقول إنَّ خدمة حجاج بيت الله أصبحتْ جزءاً من هوية بلادنا، ومن صِلاتها بالآخر، ومن رموز حضارتها، ومكوناتها الفكرية، ومن مفاخرها في ذلك اجتماع العالم الإسلامي تلبية لداعي الله وهو شرف لا ندّعيه بل حقيقة ماثلة لا تملكها دول العالم قاطبة تُرى رأي العين! كما أن بلادنا بلغتْ في العناية بمواسم الحج ما لم يبلغه تنظيم دولي آخر لسمو المقصد ونبل الهدف؛ إضافة لارتباط الحج بالمسلمين وتمام دينهم فخدمة الحجاج هي خدمة للإسلام والمسلمين؛ وتأسيساً على ذلك التفرد الذي يُسطر بمداد من الذهب أعواماً عديدة ممتدة فإننا نأمل أن يُكتب تاريخ الحج في بلادنا ومواسمه وفق المنهجية العلمية التي تسطر بها الملاحم الخالدة في توثيق تاريخ منجزات الشعوب؛ وأن يُسجل صوت العالم نحو جهود بلادنا في مواسم الحج والمشروعات العملاقة كوثائق استدلال تاريخية ضمن مشروع توثيقي وثائقي عملاق!
إلى عرفات الله يا خير زائر
عليك سلام الله في عرفاتِ
- أحمد شوقي