د.الطيب النقر
في التاسع عشر من شهر يونيو عام 2003م، رحل عن دنيانا الفانية العالم الثبت النحرير بروفيسور عبد الله الطيب، بعد أن ملأ صرير قلمه مسامع الزمان، وسار صيته في كل صقع وواد، رحل مبدع اللغة العربية، والمهيمن على تراثها الثمين، وبموته فقد السودان والعالم العربي والإسلامي، أديباً يعتبر بلا جدال، امتداداً لذلك النفر، الذي حمل لواء اللغة في العهود الغابرة من العرب الأقحاح، الذين كانت قصائدهم لا تبارى في صدق العاطفة، وخصوبة الخيال، وجودة السبك، وطلاوة الأسلوب، وعذوبة المعاني.
أمضى صاحب «المرشد إلى فهم أشعار العرب» وصناعتها، حياته الحافلة موغلاً في البحث، ممعناً في التنقيب، حريصاً على الإحاطة بأصول وفروع اللغة، حتى صار من أقطابها الذين يشار إليهم بالبنان، وصارت مؤلفاته غاية ليس وراءها مذهب لطالب، ولا مراغ لمستفيد، ولا مرد لباحث. كان لقريع دهره، جلالة تغشى العيون، وقداسة تملأ الصدور، لسعة علمه، ولنبل فطرته، ولأنه أفاض الله عليه سجال رحمته، متجاف عن مقاعد الكبر، متحلياً بمكارم الأخلاق، مبتعداً عن ضجيج السياسة وصخبها،
كما كان يؤنس جلاسه بوجهه المتهلل، وأذكر أني كنت غاية في الحرص لمتابعة الحلقات التي يبثها التلفزيون القومي منذ صغري، رغم أن الكثير من عباراته ومفرداته التي يهضب بها، كنت أجهل الكثير منها، وكانت تحتاج إلى بوارق من الضياء بالنسبة لي، وأنا في طراءة تلك المرحلة، نعم أيها السادة، لقد ترك الغطريف عبدالله الطيب «قبساً من نار المجاذيب» في صدري، وكان له صدى عظيم في حياتي، شأني في ذلك، شأن كل سوداني، يسعى أن تعانق نفسه الثريا، إذ ينتمي هو وصاحب اللسان البليل، والخاطر الحافل، لبلد واحد، لذا تراني شغوفاً بأدبه، هائماً بسيرته، مترسماً خطاه، حتى أنال ما ناله من مآثر يبقى ذكرها في الأعقاب.