د. شريف العبدالوهاب
في يوم 4 يونيو 2025 دخلت اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 187، المعروفة باسم «الاتفاقية الإطارية لتعزيز السلامة والصحة المهنية» حيز التنفيذ. واستكمالاً لمقالاتنا السابقة بجريدة الجزيرة عدد رقم 2857 بتاريخ 1-5-2025م عن السلامة وضرورة وجود نظام يشمل لوائح تنفيذية لقوانين واضحة لتطبيق معايير السلامة ولائحة للمخالفات، نقف مرة أخرى لأهمية هذه الاتفاقية. فالمملكة تمر بنقلة نوعية ايجابية في التشريع والتنظيم في مختلف المجالات والتي أصبحت متطلبا في مجال السلامة والصحة المهنية لبيئة العمل في بلادنا، وهذا النقلة النوعية تتطلب تضافر الجهود من جميع الجهات التنفيذية والتشريعية حتى تتحقق غايات ومستهدفات ورسالة هذه النقلة.
ما قامت به المملكة العربية السعودية من خطوات نحو تطبيق اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 187 يُعد تقدمًا كبيرًا ومهمًا، لكنه لا يعني أن المنظومة باتت مكتملة حيث إن هناك جوانب يجب تعزيزها لضمان تطبيق فعال وشامل للاتفاقية. لقد قامت المملكة وبشكل إيجابي بالتصديق الرسمي على الاتفاقية (يونيو 2024) والذي يعد خطوة أساسية نحو الالتزام. وحتى نؤكد حرصنا على تنفيذ الاتفاقية ومبادرتها نحتاج إلى الأمور التالية:
أولاً: إطلاق البرنامج الوطني للسلامة والصحة المهنية وخطة استراتيجية، وصياغة سياسة وطنية متعددة الأطراف تعزز الشفافية وتضمن التشاركية.
وثانياً: إشراك الجهات ذات العلاقة لنقل وتبني أفضل الممارسات.
وأخيراً: إصدار التشريعات والمعلومات الإحصائية.
ونسجل التقدير والشكر للقيادات بالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على المبادرة لإطلاق (دليل معايير السلامة والصحة المهنية) في مايو 2025، والذي يعد دليلاً استرشاديا لمعايير السلامة والصحة المهنية، ويُعد مرجعًا موحدًا للمختصين والمنشآت والجهات ذات العلاقة، حيث يتضمن الدليل أكثر من 4,500 معيار تغطي ستة قطاعات رئيسة وهي الصناعات العامة، البناء، الزراعة، الأنشطة البحرية، النقل، والتعدين، إضافة إلى تصنيف أكثر من 70 قطاعًا اقتصاديًا وفقًا للدليل الوطني للأنشطة الاقتصادية.
يعد هذا الدليل الاسترشادي بداية متميزة، ولكن تطبيق النظام يحتاج بناء معايير بـ(كود) رقمي للمعيار، فالنظام ولائحة للمخالفات تحتاج إلى استكمال وضع معايير التفتيش حتى تكتمل أركان النظام. وحقيقة أن وزارة الموارد البشرية، بحكم أنها تعد الجهة المسؤولة حالياً، تحتاج أيضاً إلى المضي في فصل قطاع السلامة عن الوزارة ليكون هيئة أو مركزا وطنيا ذا شخصية اعتبارية، يستمد القوة من النظام لتطبيقه، مع إشراك القطاع الخاص المحترف في تطبيق التفتيش ورصد المخالفات. ومن ضمن البنود التي تتطلب التطوير والتعزيز هي:
أولاً: وضع آلية رقابة وتفتيش صارمة وشفافة على المنشآت. فمن جوانب النقص الحالي عدم وجود تقارير تقييم الأداء الميداني، أو مدى التزام المنشآت.
ثانياً: بناء نظام وطني موحد لجمع وتحليل بيانات الحوادث المهنية، حيث إن نقص توفر البيانات المحدثة باستمرار عن إصابات العمل والأمراض المهنية وبياناتها الإحصائية لا تساعد في أي تطوير لبيئة العمل، فنحن نتطلع لأن نكون الأفضل عالمياً في بيئات العمل.
ثالثاً: إطلاق برامج تثقيفية إلزامية للعاملين وأرباب العمل، حيث إن ضعف الوعي المجتمعي وثقافة السلامة لدى العاملين- بالذات المنشآت الصغيرة والمتوسطة - أدى لعدم توثيق الحوادث أو المخالفات وفق النظام المقترح.
رابعاً: توفير أدوات دعم للتفتيش تكون مناسبة لسوق العمل السعودي حسب المواقع الجغرافي بحث لا تترك منشآت في مناطق خارج المدن غير مغطاة.
خامساً: تطوير مؤشرات أداء (KPIs) واضحة ومعلنة فغياب مؤشرات منشورة عن قياس أداء الاستراتيجية الوطنية الحالية تعد فقرة مفقودة في هذا العمل المؤسسي والوطني.
وسادساً: التوسع في تدريب وتوظيف الكوادر الفنية في هذا المجال، فعدم وجود مفتشين مؤهلين برخص مهنية لن يمكننا من تطبيق نظام السلامة ولائحته التنفيذية بالذات كشف المخالفات. وفي سبيل اكتمال التطبيق وكفاءة المخرجات قد نحتاج إلى أمور فنية دقيقة (أنا متأكد أن المختصين يعرفونها) مثل نظام شبيه بما يطبق عالمياً وفق معايير لكل نوع من أنواع الأنشطة تحت اسم (Code of Saudi Regulation CSR) بعدة تفريعات لا يسعنا الإسهاب فيها.
المهم في هذه المرحلة أن يكون النظام شاملاً لكل المعايير الأخرى الضرورية للتطبيق لدى الجهات ذات العلاقة بأنشطة السلامة مثل الدفاع المدني (الحد من الحرائق)، وجمعية المهندسين السعوديين، وهيئة المساحة الجيولوجية الخ، كما يجب أن تضم الهيئة او المركز الوطني العشرات من اللجان الفنية والمتطوعين لإثراء المعايير ولائحتها التفسيرية وإبداء الرأي المهني والعلمي والفني في نتائج وتقارير تحقيقات الحوادث.
وربما يكون من الأفضل إنشاء (جمعية غير ربحية) متخصصة بحيث تتيح للخبراء ومن يرغب في التطوع في هذا الأمر لمساند جهود الدولة.