د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
رحم الله العلامة محمد بن ناصر العبودي الذي أثرى حياتنا الثقافية بمؤلفاته الغزيرة المتنوعة وبأحاديثه العجيبة الرائقة، وهو الآن، بعد وفاته، يواصل إثراء حياتنا بأعمال جديدة تنشر أول مرّة، يتولى ذلك ابنه البارّ الأستاذ طارق، حفظه الله ووفقه وأرضاه، ومن ذلك هذا المعجم الذي كان والده قد أنجز مسودته قبل وفاته، كما أنجز نظيره أيضًا، جاء في مقدمة المعجم بعد ذكره عناية القدماء التي ظهرت في ( كتاب الحيوان) للجاحظ و(حياة الحيوان الكبرى) للدميري قول الشيخ « أما نحن فإننا لا ندعي أننا نزاحمهم على ذلك ولا أن نرِد منهم مورد تلك المسالك، ولكننا نكتب من ذلك ما بقي في ذاكرة شعبنا من معارف أو معلومات عن الحيوان بعضه كان موروثًا عن الأولين، ولكن غيرت بعضه بعض السنين وبعضه جديد ناشئ عن تطور الحياة وتوسع اللغات. فكتبت كتاب (معجم الحيوان عند العامة). وهو كبير يقع في مجلدين سمينين ثم كتبت بعده كتابين: أحدهما هذا الكتاب بعنوان (معجم الحيوان الأليف)، وليس المراد بالأليف الذي يكون بالضرورة مألوفًا لنا من حيث اللمس والإحساس؛ ولكنه الذي يعيش معنا في وطننا، وإن كان بعضه قد ألحّ عليه بعضنا بالصيد والقتل، حتى اضمحل ذلك البعض منذ أوقات قريبات. ونتتبع آثاره ليعرفها أولادنا وأحفادنا. فذلك كان معروفًا في بلادنا يعرفه آباؤنا وأجدادنا، ويجب أن ننقل أخبار معجم الحيوان الأليف عند العامة. والثاني: (معجم الوحوش الضواري) التي كانت أخبارها وآثارها ظاهرة في مأثورنا الشعبي، ولكنها مجملة، لأنها كانت مهملة من الإيضاح والتبيين، وذلك أمر لا نعتبره مما يزين بل هو مما يشين، لذلك أخذنا القلم وأخذنا معه القارئ الكريم الذي يقرأ ما كتبناه عنه في جولة بل جولات نرجو أن يكون فيها استدراك لبعض ما فات وتذكر لتلك الأوقات السالفات».
سيلاحظ القارئ أن جمهرة مادة المعجم مأخوذة من المعجم السابق وأنها قصرت على ما عدّه الشيخ من المألوف، ولكن أجريت بعض الاختلافات اليسيرة وأضيفت مواد لم تكن موجودة، ومما أضيف مدخل (أبا زمير) ص13-22. ومن منهج الشيخ الاهتمام بالأمثال التي قيلت في الحيوان لأنها ثقافة تراثية مهمة تعبر عن فكر مستعمليها. ومن منهجه الحديث عن اللفظ لأدنى ملابسة، فلم يقتصر على أسماء الحيوان ولكن ما له سبب بها مثل (حيطوم) اسم فاعل من الفعل حطم، و(الرمرم) نوع من الأشجار و(السحّة) أي التمرة، وكذلك أدرج من الأسماء ما ليست في البيئة أصلًا؛ ولكن عرفها الناس مستوردة فألفوها من مثل (طاووس) ص 301 و(سردين) 251. ونجده في مادة (ط ب خ) يورد (بِسّ المطبخ) ص297 ويتحدث عن (فلان يطبخ ما) و(فلان طبّاخ الكلاب، من جرّبه ما عاد). والملابسة إضافة البس إلى المطبخ.
ولأن المعجم عن المألوف من الحيوان حذف مداخل عن الضواري مثل: أسد، ليث، وضبع، وضرغام، وذئب، ولكنه في مادة (س ر ح ن) ص249 أورد (السرحان): الذئب. ولم يذكر الثعلب ولكنه أثبت في (واوي) ص502 «الواوي حيوان يشبه الثعلب».
ولا شكّ أن هذا المعجم كغيره من المعاجم يضم مادة تفرّد بذكرها واهتم بتصنيفها الشيخ رحمه الله، وهذه المعاجم على طولها ممتعة يجد فيها القارئ الفكر والثقافة والمعرفة والطرائف، وهذا المعجم جدير بالقراءة كغيره من المعاجم المنشورة، ونحن إذ نشكر الأستاذ طارق نأمل أن يواصل نشر أعمال الشيخ المخطوطة كمعاجم أسر بعض البلدان ومعجم اللهجة العامية، وهو معجم كبير يضم من الكنوز والثروة اللفظية ما القارئ المثقف والباحث وطلاب العلم بحاجة إليه.