هادي بن شرجاب المحامض
في لحظة تختلط فيها تعقيدات السياسة بآلام الشعوب، ويضيع فيها صوت الإنسان تحت ركام الأزمات، أبت المملكة العربية السعودية إلا أن تكون كما عهدها العالم الإسلامي: قِبلة للرحمة، وملاذًا للمسلمين، ومهوى أفئدتهم. فقد وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - أيده الله - وبناءً على ما رفعه سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- وزارة الحج والعمرة بتسهيل كافة احتياجات الحجاج الإيرانيين، وتوفير جميع الخدمات والرعاية اللازمة لهم، حتى تتهيأ ظروف عودتهم إلى وطنهم وأهلهم سالمين.
هذه اللفتة الملكية الكريمة، التي تأتي في ظل ظروف استثنائية تمر بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا يمكن قراءتها إلا في سياق المبادئ الراسخة التي تأسست عليها هذه البلاد المباركة، منذ أن شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين، وحتى اليوم، وهي تضع خدمة ضيوف الرحمن فوق كل اعتبار، متجاوزة الخلافات، ومتجردة من الحسابات السياسية.
منذ تأسيسها، والمملكة تلتزم بموقف أخلاقي وإيماني عميق مفاده أن الحج عبادة لله وحده، لا ترتبط بجغرافيا أو سياسة أو قومية. وما هذا التوجيه الكريم إلا تأكيد جديد على أن المملكة حين يتعلق الأمر بالحج والعمرة، فإنها تتحرك بمنطق المسؤولية الشرعية، وتتصرف بأخلاق القيادة الإسلامية، وتخاطب العالم الإسلامي بلغة الرحمة والتجرد.
إن ما قامت به القيادة السعودية اليوم تجاه الحجاج الإيرانيين هو موقف نبيل يرتقي فوق التوترات الإقليمية، ويترفع عن الأصوات والاتهامات ، ويعيد التذكير بأن مكة المكرمة والمدينة المنورة ليستا ساحة صراع، بل هما ميدان للخشوع والروحانية والسكينة.
المملكة لم تكن يوماً دولة تبحث عن النفوذ من بوابة الاستغلال السياسي للمقدسات، بل ظلت عبر عقود حارساً أميناً لأقدس بقاع الأرض، ومسؤولاً مباشراً عن أمن وسلامة كل من يطأ أرضها قاصدًا البيت الحرام. وبهذا التوجيه، تجدد السعودية عهدها أمام العالم الإسلامي بأنها ستظل على العهد، تنصر الإنسان المسلم، وتؤمّن له حق العبادة بأمان وكرامة، مهما كانت الظروف.
وفي الوقت الذي تشهد فيه المنطقة اضطرابات متسارعة ، تؤكد القيادة السعودية أنها ستبقى ثابتة في نهجها، تحكمها القيم الإسلامية العليا، وتوجهها بوصلة المسؤولية الأخلاقية، بعيدًا عن ضجيج السياسة ومتغيرات اللحظة.
هذا القرار ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل هو إعلان إنساني وموقف أخلاقي يسجل بمداد الفخر، ويعكس عمق الرؤية السعودية التي تتعامل مع ضيوف الرحمن كأمانة مقدسة، لا تتبدل بالسياسة، ولا تتغير بالمواقف.
وهنا يظهر الفرق بين من يدير الأزمات بمنطق الهيمنة والانتقام، ومن يتعامل معها بعقل القائد ورحابة قلب المؤمن. فبينما تتشابك خيوط السياسة في المنطقة، تقف المملكة بثبات، وتقول للعالم: نحن هنا لخدمة الإسلام والمسلمين، لا لخدمة الأجندات الضيقة.
ختاماً في كل موسم حج، تثبت المملكة للعالم الإسلامي أنها بيت الأمة الكبير. واليوم، تُثبت أنها لا تدير شؤون الحجاج، بل تحتضنهم. لا تميز بينهم، بل توحدهم على صعيد العبودية لله، والإخاء في الدين، والكرامة في الضيافة.
إنها السعودية حيث لا تموت القيم، ولا تغيب الرحمة، ولا تُستغل الفريضة. بل يُصان الحج، ويُعظم الحاج، وتُحفظ الرسالة.