د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
في الثاني من الشهر الجاري 2025م حظيتُ بزيارة مكتنزة لمَجْمع الملك سلمان العالمي للغة العربية تلبية لدعوة ثمينة! وهناك كان نسيج لغوي فاخر؛ اختلطت فيه وشائج العربية تاريخا ومكوناتٍ بحثية ومنصات وصول تتهادى افتخارا؛ وحدْبٍ على الصياغات المتينة للسياسات اللغوية ودعم غزيرللغة العربية في المنظمات الدولية واستحداث منصات للمعاجم اللغوية وإعداد المدونات اللغوية وتدشين المكتبة العربية الرقمية؛ وكل تلك المنارات التي يتضمنها المجمع مشفوعة باستقراء وتخطيط عميقين لشمولية المتطلب اللغوي الذي يتواشج مع المعاصرة : وذلك وفق منظور عالمي لتكون اللغة العربية مُرادا ومسترادا للتواصل الحضاري والتفاهم مع الشعوب فهناك مركز «أبجد» لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ويردفه تأهيل لمعلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها وقناتان عربيتان تعليميتان للعالم تستهدف الكبار والصغار، كما أن لمَجْمَع الملك سلمان العالمي للغة العربية إسهام في قياس جدارات اللغة العربية التي يتطلبها العمل في بعض المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني حيث صمم المَجْمَع اختبارات لقياس الكفايات اللغوية.
وهناك مشاعل من نور العربية رادتْ العالم حمل لواءها مَجْمَع الملك سلمان العالمي للغة العربية فقد وقف واستوقف وهو مابرح يافعا حيث صدر إنشاؤه في قرار مجلس الوزراء الموقر (34) في الأول من الشهر التاسع من عام 2020م «ليكون الجهة الرسمية السعودية التي تتولى الشؤون اللغوية وسياساتها وبرامجها والعمل الدولي المرتبط بها وقيادة الدراسات الإستشرافية ووضع الاقتراحات والتوصيات على أعلى مستوى» من حديث سمو رئيس مجلس أمناء المجمع وزير الثقافة سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود»» ويُحمدُ للمجمع أن استل في مستهل جهوده ضرورات الحاجة لتأطير واقع دعم اللغة العربية عالميا تحقيقا لما حمل من عالمية الاسم والهدف، فنشر برامجه وبسط استراتيجيات وطروحات ممنهجة في مجال حوسبة اللغة العربية وقضايا تعليم العربية للناطقين بغيرها، والتخطيط والسياسات اللغوية، وحزما أخرى يطول رصدها، وللمجمع جهود تتبعية لحضور العربية في أنحاء العالم.
ولقد نال مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية مشكاة من التقدير عن جهوده في مجال نشر اللغة العربية وانتشارها، كما استطاع أن يبني جسورا من التواصل العلمي بين المختصين في الدراسات اللغوية والمعنيين بشئون اللغة في أنحاء العالم من خلال النشر العلمي وتصميم الأدلة وقواعد المعلومات عن المؤسسات التي تخدم وتُعنى بلغة الضاد.
وطاقات مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية كبيرة وباقاته وفيرة، فقد أجاد المَجْمَع صياغة تنظيمات التأسيس، ونسج للعالمية ديباجة متينة، فكانت الجهود نحو خدمة العربية عالميا حزما مضيئة مازالت تستولد وتضيف؛ فهناك برامج غطتْ كثيرا من الدول في العالم وفق أُطر تنفيذية مختلفة تأسيسا على واقع العربية في كل دولة والجامعات التي تحتضن نبض العربية هناك، وسقف الحاجة الآنية والمستقبلية، ومن فرائد ذلك التواصل العالمي تنفيذ برنامج «شهر اللغة العربية» الذي ينظمه المجمع في إحدى الدول الناطقة بغير العربية. وهذا الشهر جدير بالوقوف عند فحواه ومحتواه؛ حيث اعتمد عدد من البرامج والأعمال التي تخدم العربية وتسهم في نشرها في المجتمعات التي لا تتحدث بها؛ ويقوم المَجْمَع بتنفيذ حُزَم من المحاضرات واللقاءات والمسابقات المجتمعية بالتنسيق مع الملحقيات الثقافية في سفارات بلادنا في تلك الدول، وأقسام اللغة العربية في بعض الجامعات هناك فشهر اللغة العربية ملتقى احتفائي بلغة الضاد يلتقي من خلاله أساتذة وخبراء منتقون في المجال اللغوي مع نظرائهم السعوديين، ويحفز ذلك اللقاء لتواصل الشباب العربي الذين يدرسون هناك مع المتحدثين بالعربية؛ وفي العمق المستهدف تبرز خبرات مجمع الملك سلمان العالمي والكفاءات السعودية في مراكز البحث مع جامعات تلك الدول.
وبرامج مَجْمَع الملك سلمان العالمي لخدمة اللغة العربية سياحة إنجاز مجزية لايحملها مقال واحد ومساحة محدودة؛ كما أنه لمجْمَع الملك سلمان قدرة فوارة في مجال توثيق الأعمال ورصدها فموقع المَجْمَع راصد خصب، وهناك سرد وثائقي في مجموعة خاصة من إصدارات المَجْمَع المتميزة.
والحقيقة أن المَجْمَع أصّل لنتائج مهمة في مجال دعم اللغة العربية وهي آفاق مفتوحة تتلمس محطات وصول عطشى لتملأها عشقا للغة العربية وتمثلها تحدثا وكتابة ولغة فكر وعلم وحضارة كما أراد الله تعالى أن تكون..
وأختم مقالي هذا بآمال عريضة أن يكون تطوير التلقّي اللغوي العربي السعودي في منشآت التعليم في بلادنا محطة مجمع الملك سلمان العالمي القادمة؛ فمازالت شواهدنا المكتوبة والشفهية تنعي حق العربية في عقر دارها؛ فلقد غادرها الطلاب في زحمة التفاصيل!! فلعل مَجْمَع الملك سلمان العالمي الذي شهد العالميّة وشهدتهُ أن يحظى بالسبق في جعل كل عناصر اللغة العربية ثقافة جماهيرية يستهلكها الجميع في صناعة الحياة !! وحتما فمنشآت التعليم هي البداية.