في دروب الأوطان، تمرُّ لحظات لا يُوزَن فيها البناء بما يُشاد من صروح، بل بما يُغرس في العقول من بصيرة، ويُرسّخ في الأرواح من يقين. وفي زمانٍ تتلاطم فيه الثقافات، تظلُّ معركة الوعي هي المعركة الأشد ضراوة، والأبقى أثرًا، والأبلغ في ميدان البناء الحضاري، ومن بين جبهات هذا البناء، تبرز جبهة الخطاب الديني، لا بوصفها منبرًا للتذكير فحسب، بل ساحةً يتكوّن فيها الوجدان، وتُصاغ فيها هوية الأمة، وتُرسم بها معالم الاعتدال، وهنا، تأخذ وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد موقعًا مفصليًّا في صياغة وعيٍ يُحسن الجمع بين أصالة المنبع وحداثة المجرى. وقد شهد هذا الكيان في السنوات الأخيرة تحوّلًا فارقًا، لا في هيكله فحسب، بل في روحه ورسالته، وكان على رأس هذا التحوّل معالي الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ؛ الرجل الذي لم يتعامل مع الدعوة كوظيفةٍ روتينية، بل كأمانةٍ رساليّة، ومشروع أمة، وميدان صراعٍ بين التبصير والتيه. حين تولّى معاليه مقاليد الوزارة، كانت الحاجة ماسّة إلى خطاب يُجيد مخاطبة العصر دون أن يتنازل عن ثوابته، فكان اختياره مسارًا ثالثًا، لا يعرف الإفراط في الحداثة ولا التفريط في الأصالة. أبقى المنبر منارة، لكنه جدّد لغته، وأحيا وظيفته، ورفعه من منصة الوعظ إلى منصة الوعي. وفي تناغمٍ رفيعٍ مع رؤية المملكة 2030، التي جعلت بناء الإنسان محور النهضة، أطلق معاليه خطواتٍ نوعيّة نقلت الوزارة من الإطار الإداري إلى فضاء التأثير، فجاء تمكين المرأة، وتوظيف الآلاف من الكفاءات الوطنية، لا كأرقام تُسجّل، بل كترجمةٍ واعية لمفهوم الاكتفاء الحضاري، والتكامل المجتمعي. وتجاوز الأثر حدود الوطن، فامتدت جسور الدعوة إلى أكثر من مئة دولة، حاملةً رسائل الاعتدال، ومُظهرةً الوجه الحقيقي للإسلام والسعودية. ودشّنت الوزارة مشاريع قرآنية عالمية، جعلت من المملكة قبلةً لحفَظة الكتاب، وميدانًا للتنافس الشريف من شتّى الآفاق. ولم تغفل الوزارة عن أدوات العصر، فأنشأت حضورًا رقميًّا نابضًا، يُخاطب الناس حيث هم، ويُجيد السباحة في تيارات الإعلام الحديث، ويجعل من منصّاته منابر وعي لا صدى وعظ. إنّ ما أنجزه معالي الوزير ليس مجرد تحديثٍ إداري، بل إعادة تعريف للدعوة، بوصفها حارسًا للهوية، وراعيةً للوعي، وسيفًا في معركةٍ لا تُخاض ضد عدوٍّ ظاهر، بل ضد الذوبان والاغتراب. لقد أعاد للمنبر هيبته، وللخطاب اتزانه، وللجتمع طمأنينته الروحيّة والفكريّة، فإذا رأينا اليوم خطابًا أكثر توازنًا، أو مسجدًا أكثر إشراقًا، أو تفاعلًا رقميًّا أكثر رُقيًّا، فإنّ وراء ذلك قائدًا أدرك أنّ المنابر لم تُنشأ لتكرار الأقوال، بل لصناعة الرجال، وأنّ الحِفاظ على الدين لا يكون بالجمود، بل بتجديدٍ يُبقي الأصل، ويُحدّث الوسيلة. لذا، فإنّ الكلمة لمعاليه لا تُكتب بأحبار المجاملة، بل بمداد الاعتراف والامتنان، لرجلٍ خاض غمار الوعي في جبهةٍ لا تضيء لها الكاميرات، لكنها خط الدفاع الأول عن هوية هذا الوطن، وروحه المتجذّرة. فشكرًا لمعالي الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، شكرًا لقيادتك الساكنة في ظاهرها، الصلبة في جوهرها، ولرؤيتك التي جعلت من عمود المنبر ركيزةً لبناء الأمة، لا مجرد دعامة لمسجد.
نكتب هذه الكلمة في ظلّ وطنٍ يمضي في طريقه الكبير، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو وليّ عهده الأمين، حيث تتناغم مسارات النهضة: من البناء الاقتصادي، إلى البناء القيمي، ومن نهضة العمران، إلى نهضة الإنسان.
ودعاؤُنا أن يبارك الله هذه الخطى، وأن يُجري هذا العمل في سجلّ الوطن، لا في دفاتر الوظيفة؛ وفي ميزان الأمّة، لا في ميزان الأداء الإداري.
** **
- فايز بن سلمان الحمدي