د. طارق بن محمد بن حزام
لا يختلف اثنان على أن اجتهاد الآباء في توجيه أبنائهم وتربيتهم بطريقة صحيحة بجعلهم شخصيات ناجحة تثير إعجاب الناس لكن هل مازالت هذه الجهود هي ذاتها مع اختلاف الأجيال وتوسيع دائرة الانفتاح الحياتي أم أن عملية التربية ما زالت (اسكت يا ولد.. لا تجلس مع الكبار.. أنت لا يعتمد عليك.. أنت فاشل.
فلان أحسن منك.. عيب، عليك أما تستحي.. سودت وجوهنا.. ما فيك خير.. والحرمان من المال أو السيارة أو من الخروج مع الزملاء بحجة عدم الوقوع في المحظورات.. واختيار نوعية الأكل والشرب، واللباس وقسر الأبناء على دراسات لا يرغبونها.. وإجبارهم على اعتناق أفكار لا يقتنعون بها..) وهل هي أساليب مجدية..؟
الفجوة بين الأجيال تزداد اتساعًا جيل الأبناء اليوم يعبّر عن نفسه بطريقة لا تشبه ما اعتاد عليه الآباء في تفكيره ذوقه قيمه وحتى في علاقته بالمجتمع والتقاليد.
والسؤال المؤلم: هل يشعر الآباء أن أبناءهم غرباء عنهم لا يتقبلون النصح، ولا يحملون نفس الالتزام أو الاحترام الذي نشأوا عليه.
هل فشلنا في تربيتهم؟ أم أن الزمن تغيّر بقوة خارجة عن إرادتنا؟ أم أن هناك أسباب محتملة منها:
تحوّل المنظومة القيمية عالميًا والتي أصبحت أقوى من قيم الجماعة والطاعة أم أن التربية التقليدية لم تعد تجدي(كالتهديد أو التلقين أو التوبيخ) والتي لم تعد فاعلة بل قد تُنتج العكس، أم أن ضعف الحوار الأسري لم يعد هناك تواصل حقيقي يصنع الثقة والانتماء. أم أن هيمنة التقنية على تشكيل العقول وازدواجية الخطاب التربوي، نعلّم أبناءنا قيماً معينة لكنهم يرون سلوكًا مختلفًا في البيت أو المجتمع مما يربكهم ويقلل من مصداقية النصح وغيرها من التساؤلات.
وبالتأكيد إن أثر الأسرة في حماية الأطفال لا ينتهي عند وضع الطفل أمام الجهاز ثم تنتظر من وسائل الإعلام أن تقوم بعمل المربي بالنيابة عنا علينا أن نزرع في نفوسهم المراقبة الذاتية.. نخبرهم بحقيقة الأمر ونوضح لهم طريق الخير والشر..
كما يجب علينا أن نقوي الوازع الديني، نترك لهم مجالا من الحرية المنضبطة لأننا إذا ضيقنا عليهم فسوف يسعون للخلاص من الأهل ويتهمونهم بالسيطرة والانغلاق كذلك ينبغي الابتعاد عن أسلوب النصائح المباشرة أو (صليت؟ - أكلت؟ - ذاكرت؟)
لا بد أن ننصحهم ولكن لا نجعل كلامنا معهم فقط أوامر ونصائح بل نقيم علاقة صداقة مع تقديم، البدائل نعوّدهم على الاختيار بين البدائل فقد انقضى عهد الإجابات الجاهزة والحلول المفصلة التي نمليها عليهم، كذلك نعلمهم من خلال حل المشكلات وننصت لهم.
وهذا لا يعني مجرد أن نستمع لهم ولكن نعني به اللقاء بين القلوب والعقول علينا يا كرام أن نعيد النظر في أنفسنا كمربين لنرى أين الخلل كما يجب أن ندرك جيدًا أن تربية الأمس لم تعد تكفي اليوم وتربية اليوم لن تكفي للغد، علينا أن نثقف أنفسنا من جديد ونتخلى عن غرورنا ففلذات أكبادنا وصلاح مجتمعنا يستحق منا الكثير من التفكير والتضحية والنقاش والحوار.
خاتمة
وأخيرا،فإن جيل اليوم ليس بالضرورة جيلًا فاسدًا، بل هو جيل مختلف، التحدي ليس في إرجاعه لما كنّا عليه بل في تحقيق التوازن بين الأصالة والمعاصرة..
لنصنع جيلًا يُشبهنا في القيم حتى وإن اختلفنا في الوسائل.