م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - السلوك هو وليد المشاعر، ولعلاج السلوكيات لا بد من علاج المشاعر أولاً، وإخفاقنا في معالجة بعض سلوكياتنا السلبية ناتج عن أننا توجهنا مباشرة إلى معالجة السلوك ذاته وحاولنا تغييره وتعديله، وهذا جعلنا نواجه مشكلة المقاومة الداخلية التي تقودها مشاعرنا رغم قناعتنا العقلية، فلماذا يحصل هذا؟ إذا عرفنا أن المشاعر هي مصنع ومنطلق الأفكار، وأن الأفكار هي الموجه للسلوكيات والتصرفات وردات الفعل، فكان من الأولى والأكثر فعالية التوجه للمشاعر ومعالجتها حتى نسلم من المقاومة الداخلية الرافضة لتغيير السلوك، وبذلك تجعل المشاعر عاملاً مساعداً في تغيير السلوك لا عاملاً مقاوماً.
2 - لا شك أن المشاعر هي التي تتحكم في الإنسان من أصغر الأشياء إلى أكبرها، لذلك هي البوابة الأولى لأي تغيير وتطوير وتحسين.. من هنا هل نريد أن نتخلص من القلق والاكتئاب والخوف والغضب، هل نريد أن نحسِّن علاقاتنا ونوسعها، وأن نذهب إلى كل الأماكن ونمارس الهوايات التي نهابها ولذلك نتجنبها، أن نتوقف عن إدمان الكحول أو المخدرات أو قضم أظافرنا أو نتف شعرنا؟ هل نرغب في تعلم مهارات جديدة ولغات جديدة وننفذ الأعمال التي نحلم بتنفيذها لكننا نماطل ونُسَوِّف ونخلق الأعذار حتى لا نقوم بها؟ إذاً علينا أولاً أن نعالج مشاعرنا تجاه ذلك الموضوع ثم ننطلق منه لعلاج سلوكياتنا.
3 - كأي شيء في الحياة لا يمكن علاج المشاعر دون تحديدها، وتحديد الهدف من علاجها وكيفية ذلك.. آخذين في الاعتبار أن المشاعر هي خليط من الرغبات والأهواء والمخاوف والتعاليم المتوارثة والتأثيرات الخارجية المحيطة وغير ذلك.. فالمشاعر كما هو معروف لا تنشأ من ذاتها بل تنشأ بمؤثر خارجي، وهنا يأتي دور الإنسان، إما أن يتحكم بمشاعره أو تتحكم به.
4 - تحكم المشاعر في حياة الإنسان عظيم ومؤثر، وقد يصل تأثيرها عليه إلى حد بناء شخصيته أو تدميرها وأذيتها، هنا يتضح مدى أهمية التعامل مع المشاعر كشيء يمكن علاجه والانتباه لتأثيراته وتوجيهها.. فالنوم، والعلاقات مع الناس، والاسترخاء، والابتسام، والعمل، والانتظام، والالتزام، والغضب، والخوف، والثقة، والأمل، والابتهاج، وغيرها كلها تتحكم بها المشاعر، ومع هذا فإن المشاعر ليست ذلك الوحش الذي لا يمكن الاقتراب منه.. بل إن السمات الشخصية، والتجارب الحياتية، والقيم، ونقاط القوة التي يملكها الشخص، والحافز للتعلم والتطور، كلها آليات ووسائل يمكن استخدامها لمواجهة المشاعر وعلاجها.
5 - كثرة الأفكار وقوتها تتناسب طردياً مع قوة المشاعر وحدتها.. فحدة مشاعرنا تجاه شيء أو شخص أو حدث تخلق لدينا أفكاراً تلقائية كثيرة، بعضها يكون مصدره الذاكرة، وبعضها يأتي على شكل صورة أو كلمات، وبعضها مصدره عقلي معرفي بحت، وبعضها الآخر يكون صادراً عن عاطفة جياشة بلا منطق أو معرفة، وهي في كل الحالات لها تأثير كبير على سلوكياتنا وردات فعلنا سواء الفورية أو المؤجلة.
6 - المشاعر الساخنة الحادة تولد أفكاراً ساخنة حادة، هذه الأفكار قد تكون إيجابية تقوم على العطاء، أو سلبية تقوم على الانتقام.. في كلتا الحالتين فإن التطرف في المشاعر يولد تطرفاً في الأفكار، والتطرف في كل حالاته ضار.. من هنا كيف نتعامل مع تلك الحالة من التطرف في المشاعر والأفكار؟ لا شك أن الهدوء هو الخطوة الأولى ومن ثم استرجاع مسببات ذلك المؤثر الخارجي الذي أثار تلك المشاعر المتطرفة.. في البداية سوف يتجه العقل إلى إيجاد كل المبررات المؤيدة للشعور المتطرف، لكن محاولة جمع الأدلة الداعمة وغير الداعمة سوف يخفف من حدة تلك المشاعر الساخنة ومن ثم فرزها بين حقائق وتأويلات.. فإذا وجدنا أن الحقائق أكبر وأكثر من التأويلات فهذا دليل على صحة أفكارنا، أما إذا كانت التأويلات هي الطاغية فيجب أن يدعونا هذا إلى إعادة التفكير.
7 - المشاعر الإنسانية بحر متلاطم يؤثر بعضها على بعض، تثير البعض، أو تهدئ من فوران البعض، أو تخلق أفكاراً تنشئ مشاعر جديدة.. ولو أردنا حصر أهمها فهي: مشاعر الاكتئاب، القلق، الشعور بالذنب، الغضب، الخوف، الخجل، الحزن، الارتباك، الحماس، الشخص الفخور، المذعور، المُحْبَط، العصبي، المشمئز، المجروح، المخذول، المبتهج، البائس، اليائس، الساخط، السعيد، الودود، الذليل، المتلهف، المطمئن، الممتن، المحب، الكاره، الحاقد، الناقم، الحاسد، اللامبالي، المظلوم، المقهور.. رصد أي حالة تطرف من تلك المشاعر تساعدنا في معرفة أو على الأقل الإشارة إلى أن هناك شيئاً ما يحدث في حياتنا يجب الانتباه إليه.