د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عنوان المقال وسم لكتاب للأديب الموسوعي عبدالله بن خميس -رحمه الله- في طبعته الثانية وكانت في عام 1410هـ وفحواه ما كتبه نخبة من رجال الفكر والصحافة السعوديين الذين جايلوا ابن خميس على صفحات مجلة الجزيرة قبل تحولها إلى نظام المؤسسات الصحفية 1379هـ، ولقد جذبني عنوان الكتاب في عصر بلادنا الذهبي المبهر بحضارته الحديثة ونهضته الممتدة في علو بإذن الله، حين استثمرت بلادنا الحديثة كل الإمكانات البيئية والقدرات البشرية لتكون رديفا اقتصاديا منافسا بجانب البترول، فتصفحتُ كتاب (بلادنا والزيت) نحو معرفة رأي العقول الصحفية السعودية آنذاك في (الذهب الأسود)، كما نعتوه وهو المنحة الإلهية التي انبجست عنها صحارينا في عهود المصلحين من قادة بلادنا وملوكها، بدءاً من عهد المؤسس الملك عبدالعزيز وإلى عهود أبنائه من بعده، حتى عهدنا الاستثنائي الحديث الذي نقب عن الزيت أيضا في عقولنا وبيئاتنا ومقدراتنا المتنوعة، والذي توشح بالمصداقية اللازمة لقيادة التغيير الاستراتيجي.
أما كتاب (بلادنا والزيت) فقد كانت الأحاديث عن الزيت (البترول) آنذاك مختلفة نوعا ما؛ حيث تحدثت المقالات عن تلك الثروة، تكوينا وتنقيبا وتخزينا وكشفا واستخراجا، ومن ثم تحدث المفكرون عنه تسويقا ونقلا وأسعارا؛ وكان الحديث في مجمله عن (البترول) كمصدر ضروري من مصادر مدنية ذلك العصر وما تلاه بعد أن كانت بلادنا تبحث عن الحياة في تخوم الصحراء، فكان الزيت في الصدارة مما يهم أمم العالم قويها وضعيفها؛ وأجمعوا سالفاً كما أجمعنا لاحقاً أن الزيت كان فتحاً جديداً لثروات بلادنا الفياضة؛ وأنه عامل أساسي فيما وصلت إليه بلادنا من تقدم في مجالات الحياة المختلفة لتكييف الحاضر وتوجيه المستقبل، وتملكُ بلادنا اليوم أكبر الاحتياطي من الزيت في العالم؛ وتعتبر بلادنا أكبر مصدّر للبترول حيث يصل إنتاجها وفق الإحصاءات إلى أكثر من عشرة ملايين برميل يوميا؛ ويبقى البترول والحديث حوله إشارات مهمة عن كل المراحل القادمة، وقد تواشجتْ رؤيتنا العملاقة 2030 مع كل صفات الكفاح والمغامرة والإقدام والمبادرات المكتنزة؛ ولقد توقفتُ عند مفاصل بعض الرؤى التي احتوى عليها كتاب (بلادنا والزيت)، فقد تكررتْ عبارة «أن الزيت يعتبر قطاعاً مالياً جديداً لابد له من استثمارات طويلة الأجل وقصيرة الأجل» وتلك الرؤى المدونة من أكثر من ثمانية عقود هي ما أمسكتْ بزمامه بلادنا اليوم بجدارة وبصيرة، وأن صناعة الزيت وتدويره لا تعني أن بلادنا تعمل على تسهيل استحداث الصناعة البترولية دونما استراتيجية عميقة تستند إلى الاقتصاد المكتسب من خلال استثمار (الزيت).
ومازال النمو المتكئ على البترول شاملا ومستداما، وقد مررتُ خلال محتويات كتاب (بلادنا والزيت) على بعض الرؤى الفكرية المُجمع عليها تتلخص في خشية نضوب الذهب الأسود عندما لا نكون قد عملنا على مجابهة المفاجآت ..إلخ)، وقد جاءت الرؤية العملاقة 2030 لتبدد ذلك الخوف ولتتصدى لكل الاحتمالات بتشكيل سياسات النمو الاقتصادي الجديدة التي تجعل من البترول قوة اقتصادية خلاقة؛ وقوة سياسية متينة؛ وقوة اجتماعية بناءة؛ تقوم على الجد والاكتفاء الذاتي والوصول إلى بلدان العالم بالمنتج السعودي والمنجز المحلي!
وفي ثنايا الكتاب كانت حقيقة المجتمع السعودي آنذاك بعد ظهور (الزيت) بادية ظاهرة؛ وتوارد الحديث عن حشود الوافدين في بلادنا مما جعل البلاد تستورد ما يتكافأ مع ذلك العدد مما اختفتْ معه بعض المنتجات المحلية أو خفت نورها!
وكم وددتُ أن مؤلف الكتاب -رحمه الله- ومن أسهموا معه فيما حواه من أفكار يرون اليوم في السعودية العظمى الانتقال الكبير للمجتمع الحيوي الطموح الذي عانق القدرات السعودية، وأوكل لها صناعة الأمل وقيادة العمل، وجعل الثقة في العقول السعودية متكأ لاستحداث القيمة السعودية فكان التكافؤ في فرص العمل بين المرأة والرجل، فرفعتْ بلادنا بهذين القطبين التنمويين معدل الاستثمارات في كافة الميادين نحو الانطلاقات الجديدة؛ فكانت مناداة في كتاب (بلادنا والزيت) تطلبتْ جهدا يصعب إحداثه ولكنه حدث وتجلّى بفضل الله وعونه؛ وجهود قيادتنا الرشيدة.
لقد خاطب كتاب (بلادنا والزيت) الجانب العقلاني في أدمغة المجتمع المسؤول آنذاك! فكانت الاستجابة من القيادة الرشيدة لاستثمار المردود الاستثماري من الزيت لتحقيق الالتزام التنموي لبلادنا الحديثة؛ ورافق ذلك قيادة ذلك المورد الاقتصادي الثمين من قبل الكفاءات الوطنية المخلصة آخرها الأمير المخضرم بالخبرات البترولية والكفاءة العلمية المبصرة والشخصية الملهمة بخبراتها التراكمية وإنجازاتها الجلية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، وسموه بذلك ذراع قوية لعملية الإصلاح الشامل التي هي وسم لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صانع الحضارة السعودية الحديثة، حفظهم الله جميعا.