م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - أغلب المشاعر يثيرها مصدر خارجي.. أما المشاعر التي يثيرها مصدر داخلي ففيها مشكلتان: الأولى أننا لا نكتشفها إلا بصعوبة، والثانية أننا نرفض الاعتراف بها! وإذا كان يمكن تجنب المثيرات الخارجية للمشاعر السلبية، فكيف لنا أن نتجنب المثير الداخلي؟ أي أن المشكلة منا وفينا، وهنا مكمن الصعوبة.. فحينما يكون الفرد غير واضح مع نفسه، أو ماهراً في التبرير لنفسه والدفاع عنها، من خلال الإسقاط وإلقاء اللوم على الآخرين، فهو حتماً سوف يسبح في محيط من المشاعر السلبية التي تجعله يرى أن الآخرين هم السبب فيها، بينما السبب في ذاته وصادر من أعماقه دون أن يفطن لذلك.
2 - المشكلة في الشخص التبريري الدفاعي الإسقاطي أنه بالضرورة شخص انتقادي من الدرجة الأولى، ماهر في تصيد أخطاء الآخرين وتكبيرها، بارع في إظهار مشاكل الآخرين واستعراضها، لديه إيمان عميق أن الآخرين ضِعاف علم، ومعرفة، وعقل، وموهبة، ومدارك.. يقابل ذلك عنده تلك الحالة من الشعور بأنه أكثر تفوقاً منهم وأعرف وأعقل وأوسع مدارك وخبرات وتجاربا، لكنه الحظ الذي جعلهم في أعلى السلم وهو لا يزال في أسفله! لهذا يحس بتلك المشاعر السلبية الدائمة التي تنغص حياته.
3 - الوضوح مع النفس وعدم الكذب عليها والتبرير لها، وتجنب إلقاء اللوم على الآخرين وإحالة كل المشاكل التي تعترض الشخص وتوجيهها لغيره، هذه قدرة نفسية عالية وصعبة في ذات الوقت، لكن للأسف لا طريق للنجاح في الحياة بدونها، ولا مجال لطرد المشاعر السلبية من النفس بمعزل عنها.
4 - الوضوح مع النفس يعني عدم خداعها، وهذا يؤدي إلى التفكير في إيجاد الحلول وليس لوم الآخرين وانتقادهم وانتظار أنهم هم الذين يجب أن يصححوا أخطاءهم حتى نحقق نحن النجاح في أعمالنا وحياتنا.
5 - الوضوح مع النفس يعني أننا نرى الكرة في ملعبنا، وأننا نحن الذين يجب أن نوجهها ونتحكم بها، وليس في ملعب الآخرين، وأن دورنا هو أن ننتظر ما الذي سيفعلونه بها حتى نتحرك لتوجيه ما في نفوسنا ونتحكم به.
6 - الوضوح مع النفس يعني أننا سوف نعيش مطمئني النفس، عارفين أن دورنا في العمل والأداء والمحاولة والتجريب والبحث هو الطريق الصحيح السليم للنجاح، ولن نكون في موضع الشخص الذي يترقب ماذا سيفعل الآخرون، أو يتوجس مما قد يفعلون.
7 - الوضوح مع النفس يعني أن مقاليد حياتنا في يدنا وليست في أيدي الآخرين.. وأنه أصبح لدينا هدف ومهمة للوصول لذلك الهدف دون النظر لما يفعله الآخرون في هذا المحيط من البشر الذين لكل واحد فيهم مهمة وهدف.
8 - الوضوح مع النفس له فعل السحر، فسوف يشعر الإنسان حينها أنه أصبح أكثر توافقاً وانسجاماً مع نفسه، وأنه أكثر سعادة وراحة وأقل شعوراً بالذنب، وأنه أكثر اعتداداً بنفسه وثقة.. فهو يرى أنه قد اقترف خطأ لكنه يعمل على إصلاحه، وأنه ليس في حاجة لتبرير أخطائه ولوم الآخرين عليها، وسوف يتجه لنفسه ويبدأ بإعدادها وتحفيزها للسير للأمام بدلاً من التوقف والالتفاف للخلف.. عندها سوف يختفي الاضطراب النفسي داخله ويحل الهدوء، وسوف يختفي ضجيج التبرير وصخب الدفاع عن النفس ويحل محله الاطمئنان الذي يجعل المرء يمشي واثقاً نحو هدفه، وتصبح نفسه راغبة في المشاركة مع الآخرين، وهذا هو الطريق للحصول على أحاسيس الحب والانسجام وبالتالي منحها للآخرين.
9 - المعيق الأكبر لعدم الوضوح مع النفس هو (الخوف).. فالذي يعاني من سلبية المشاعر والآراء والأفكار، أو رهاب المجتمع، أو عدم الثقة بالنفس، أو اللامبالاة، فذلك حتماً بسبب الخوف.. فالذي يعاني من رهاب المجتمع يعزو فعله إلى الخجل، والذي يعاني من عدم الثقة بالنفس يجد في ذلك تواضعاً وحماية للنفس، والذي لا يبالي ويعيش حياته مهملاً في كل شيء يرى أنه لا فائدة وأراح رأسه.. الخ.
10 - الخلاصة أن عدم الوضوح مع النفس ناتج عن عدم وضوح الصورة لدى الشخص، فهو يريد أن يرى نفسه في عيون الآخرين لكنه لم يحاول قط أن يرى نفسه بعيونه وبأحاسيسه ومشاعره، رغم أن الحياة تعلمنا أن الإنسان هو الذي يقرر عن نفسه ويقود حياته، وهو الوحيد القادر على رؤية نفسه من الداخل، لذلك فالشخص ذاته هو الذي يكتب ويُخرج ويُصور ويُنتج أعمال حياته كما يتصورها ويراها وليس كما يراها الآخرون.. نعم، نحن من يرى حالنا وأحوالنا ومن ثم نقرر كيف نريدها أن تكون بدءاً من علاقاتنا، وطبيعة عملنا، وسلوكياتنا.. فالذي نراه في أنفسنا هو غالباً ما سوف نقوم به.