حَبيبٌ عَنِ الأحبابِ شطّتْ بهِ النّوَى
وأيُّ حَبيبٍ ما أتَى دونَهُ البُعْدُ
جبلت النفوس البشرية على حب وتقدير من كانت له مكانة وبصمات وآثار بناءة في وطنه ومجتمعه، حيث يبقى ذكره طرياً تلذ له الأسماع وعندما تغرب شمسه عن الدنيا ويتوارى عن الأنظار يشعر الكثير من محبيه وعارفيه بفقده ورحيله عنهم مع بقاء حبه في قلوبهم مدى الأيام، وهذا يذكرنا بالأخ الفاضل الأستاذ عبدالرحمن بن صالح الشثري -أبو هشام- الذي انتقل إلى رحمة الله يوم الجمعة 16-1-1447هـ بعد معاناة طويلة مع المرض، وتمت الصلاة عليه بعد صلاة عصر يوم السبت 17-1-1447هـ في جامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض ثم وُورِي الثرى في مقبرة (عرقة) في أجواء حزن وأسى على فراقه.
وقد أدى الصلاة عليه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الرياض، كما أدى الصلاة مع سموه عدد من أصحاب السمو والفضيلة والوزراء والمعالي والمسؤولين وجمع غفير من أقاربه ومحبيه.
وكانت ولادته في حوطة بني تميم عام 1363هـ، وقد باكره اليتم بوفاة والده قبل الخامسة من عمره وقامت والدته فاطمة بنت عبدالرحمن الشثري بتربيته، ونشأ وترعرع بين أخواله وأعمامه ومنهم الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب وأخيه الشيخ عبدالرحمن بن محمد الشثري الذين كان لهم دور في رعايته وتوجيهه.
وقد تلقى تعليمه الابتدائي في حوطة بني تميم ثم انتقل إلى الرياض في عام 1379هـ ملتحقاً بالمعهد العلمي إلى أن حصل على الشهادة الثانوية. وبدأ شغفه بالصحافة مبكراً فمع صدور جريدة الجزيرة الأسبوعية في 20-2-1384هـ التحق بها كمراسل صحفي ثم انتقل إلى جريدة الرياض بعد صدورها في مطلع عام 1385هـ، حيث برز في الكتابة عن الشأن المحلي عبر الأخبار والتقارير والمقالات.
ثم بعد ذلك انتقل إلى العمل الرسمي فالتحق برئاسة الحرس الوطني حيث عمل سكرتيراً للعلاقات العامة ثم مديراً للعلاقات العامة حتى أصبح رئيساً لتحرير مجلة الحرس الوطني منذ صدورها في منتصف عام 1400هـ، واستمر في هذا المنصب لمدة أربعة عشر عاماً حيث أسهم في تطوير المجلة وتعزيز حضورها الإعلامي.
ولم يكن اهتمامه محصوراً في الصحافة والعمل الإداري بل كان شخصية اجتماعية وطنية ويسعى لخدمة مجتمعه وبخاصة مسقط رأسه حوطة بني تميم، حيث كان له دور فعّال مع الأهالي في المطالبة بكل ما يخدم المحافظة من بنية تحتية ومرافق حكومية.
ويعد أبو هشام -رحمه الله- من رواد العمل الخيري حيث كان له دور كبير في المطالبة بإنشاء مراكز الغسيل الكلوي في جميع أنحاء المملكة، ففي عام 1417هـ قدّر الله أن يصاب أبو هشام بالفشل الكلوي وبعد عام من المعاناة في غسيل الكلى خضع لعملية زراعة كلية في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني بالرياض، وقد قادت هذه التجربة مع مرارتها والشعور بما يعانيه مرضى الفشل الكلوي إلى مبادرة إنسانية عظيمة، حيث كتب مقالات وشارك في برنامج تلفزيوني حول معاناة مرضى الفشل الكلوي مما دفعه إلى اقتراح إنشاء جمعية تعني برعاية مرضى الفشل الكلوي على الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- الذي تبنى الفكرة، وأسهم في تأسيس جمعية الأمير فهد بن سلمان لرعاية مرضى الفشل الكوي كما كان أبو هشام عضواً في الجمعية.
ستلقى الذي قدمت للنفس محضرا
فأنت بما تأتي من الخير أسعدُ
ولي مع أبي هشام -رحمه الله- ذكريات جميلة وزيارات كثيرة حيث اعتاد على الالتقاء بزملائه وأقاربه ومحبيه بمجلسه الأسبوعي الذي تحول إلى اللقاء بعد مغرب كل يوم وعلى مدى عشرين عاماً.
حَبِيبٌ إلى الزُّوّارِ غِشْيَانُ بَيْتِهِ
جَمَيلُ المُحَيّا، شَبَّ وهْوَ «كَريمُ»
وقد سعدت قبل عدة سنوات بدعوة كريمة منه بزيارة حوطة بني تميم مع مجموعة من رجال الأدب والصحافة، حيث قام بإكرامنا وأخذ بنا جولة على معالم المدينة.
ولا أنسى كذلك حضورنا إلى سكاكا بدعوة كريمة من أبناء العم عبدالله بن إبراهيم الخريف لحضور افتتاح مركز الخريف الخيري لأمراض الكلى بمستشفى الأمير عبدالرحمن السديري بمنطقة الجوف وذلك في 13-8-1425هـ على شرف أمير المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز.
وكان لأبي هشام -رحمه الله- دور كبير في افتتاح كثير من مراكز الغسيل الكلوي حيث أوقف بقية حياته خدمة لأمراض الكلى وهمزة وصل بينهم وبين المحسنين ملتمس الأجر من رب العباد.
وأَحسَنُ الحالاتِ حالُ امرِئٍ
تَطيبُ بَعدَ المَوتِ أَخبارُهُ
يَفنى وَيَبقى ذِكرُهُ بَعده
إِذا خَلَت مِن شَخصِهِ دارُهُ
رحم الله أبا هشام وأسكنه فسيح جناته وألهم أبناءه وبناته وعقيلته وأسرة الشثري ومحبيه الصبر والسلوان.
تولّى وأبقى بيننا طيب ذكره
كباقي ضياء الشّمس حين تغيبُ
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف