م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - لأن الإنسان مصلحي بغريزته، لذلك فإن علاقاته تُبْنى على المصالح الخاصة بشكل أو بآخر.. ومنشأ المصالح هي الرغبات والأهواء الشخصية المنطلقة من احتياجاته الأساسية كالحب والشعور بالأمان.. وهذه مشاعر عميقة تمس حياة الشخص بصورة تجعل العلاقات الشخصية ذات قيمة عالية سواء كانت جيدة أو سيئة.
2 - العلاقات في أصلها هي استجابات عاطفية مكتسبة، كما يقول علماء النفس.. تنشأ لغرض مرتبط بتحقيق تأثير متبادل في المشاعر أو المصالح أو الرغبات.. أحياناً تكون تلك المشاعر أو المصالح أو الرغبات متوهمة وتحصل فقط في مخيلتنا مما يسقط فكرة أن العلاقات وسيلة لتحقيق غاية، والحقيقة أن تلعب العلاقات دوراً مهماً في اكتمال شخصياتنا.
3 - العلاقة حبل ممتد قد يبدأ بالاستلطاف ثم ينتهي بالحب وقد ينتهي بالنفور.. والحب إذا تطور قد يصل إلى التعلق والوله، والنفور إذا تطور قد ينتهي بالكراهية والعداء.. طرفا الحبل المكون من المشاعر والمصالح والرغبات يؤثر فيه البعد أو القرب، والاتصال المباشر أو غير المباشر، ومقدار المشاعر والمصالح المتبادلة، ودرجة تحقق الرغبات من أي من الطرفين، مع التأكيد على أنه ليس للعلاقة رابط بالحب، فالحب ليس مجرد عاطفة تبنى على المصلحة بل هو حالة شعور عالية لا تخضع لمعايير المشاعر والمصالح والرغبات، لذلك وجب التفريق بين الحب والعلاقة.
4 - في العلاقات تبرز أهمية المشاعر، فهي التي تخلق الأفكار التي تؤثر على علاقتنا بالآخرين.. المشكلة أن تلك المشاعر قد تظهر في طريقة تعبيرنا أو سلوكنا تجاه الآخر، وقد لا تظهر لكنها لسبب غير معروف تؤثر في العلاقة، ولعل الحديث الشريف (الأرواح جنود مجندة.. إلخ) يوضح المعنى المقصود.. ومن هنا يأتلف بعض الأشخاص مع بعض دون سابق معرفة أو علاقة تحت مبررات الاستلطاف أو التشابه في الشكل أو المهنة، أو أننا فقط رأينا في وجه الآخر السماحة فأحببنا ذلك فيه! العلم لم يستطع تفسير تلك الظاهرة لكننا كلنا نعيشها وبشكل مستمر في حياتنا العامة.. فالأكيد أن المشاعر لا تحدث فقط داخل حدود الجسد بل تتعداه وتؤثر في الآخرين من حيث ندري أو لا ندري.
5 - ارتباط المشاعر بالعلاقات ارتباط مذهل، فهو ارتباط متكامل لا يمكن فصله أو عزله، فهي تصل إلى الطرف الآخر في العلاقة مهما حاولنا إخفاءه أو التظاهر بعكسه.. بل إنه ثبت أن علاقة الاتصال بين طرفين (أم وابن، زوج وزوجة، حبيب وحبيبة.. إلخ) يمكن أن يكون اتصالاً عابراً للمحيطات.. فالأم يمكن أن تشعر بما حصل لابنها أو ابنتها مهما بعدا عنها، ربما لن تعرف الأم كنه ذلك الشعور الذي اجتاحها لكنها حتماً شعرت بالضيق وإن لم تجد تفسيراً له.
6 - الأشخاص الذين يعانون من سمات اضطرابية تجعلهم في حالة من النفور الكامل والكراهية للمحيط الذي يعيشون فيه، يجدون أنفسهم في محيط فعلاً زاخر بالكراهية والنفور تجاههم.. والذي لم يفطن له هؤلاء الأشخاص أن مشاعرنا السلبية (أو الإيجابية) تنعكس علينا من الأشخاص الذين تسقط تلك المشاعر عليهم، وسوف يستجيبون لمشاعرنا بذات الاتجاه في المشاعر وكأنهم على علم بمشاعرنا الداخلية!
7 - في العلاقات الشخصية يلعب شعور الشخص تجاه نفسه دوراً في تطور أو تدهور علاقاته مع الآخرين.. فالشخص المتوتر دائماً، الغاضب من الناس والحياة، والشخص اللامبالي، أو الذي يعيش حالة من البؤس الذي يُشْعره بالأسى الدائم، أو الشخص المذعور الخائف من كل شيء، القَلِق المُتَوَجس الذي يعيش حالة من الهروب الدائم من شيء لا يدري ما هو، الشخص الذي يعيش وهم المؤامرة من الكل، هؤلاء الأشخاص تكون لديهم طاقة سلبية داخلية مركزة..
هذه المشاعر التي نُسْقطها على كل شيء خارجنا فترتد علينا وبشكل مدهش، فينفر الناس منا ويبتعدون، وتنجذب لنا كل مصائب الدنيا وكأن العالم خلا مِمَّن تُصَب عليه لعنة المصائب سوانا! المشكلة مع هؤلاء الذين يعيشون حالة الخوف والهلع الداخلي أنهم يكونون الأكثر تعلقاً وغَيْرة والتصاقاً ورغبة في التملك في العلاقة، وهذا ما لا يرضاه الآخر ويسبب نفوره، وهنا يصاب الشخص بخيبة الأمل وتتأكد لديه أوهامه الداخلية من الخوف من الناس والحياة.
8 - حيث إن العلاقات الشخصية تنشأ إما من حالة الشعور بالحب أو حالة الشعور بالأمان، فكل المشاعر الإيجابية في العلاقات هي صور من الشعور بالحب، بينما كل المشاعر السلبية فيها صور من طلب الشعور بالأمان.. المشاعر الإيجابية تكون دائماً فياضة مستبشرة فرحة ظاهرة في الوجه والكلام والسلوك، تشيع البهجة حولها وتجلب السرور والمودة.. أما المشاعر السلبية المنبعثة من مشاعر الخوف فهي دائماً فاقدة للثقة، حذرة متوترة، تظهر على وجوهنا المتجهمة، وتبين في كلامنا الحاد وسلوكياتنا المتوترة، لذلك فهي تشيع الحذر والترقب وتجلب النكد والكدر، فيفر الناس من مثل هذه العلاقات فرارهم من العدو.