سارة الشهري
في إحدى الجلسات العائلية مؤخرًا، وبين أحاديث الطقس وأسعار السلع، التفت أحد الأقارب وسألني بكل جدية:
هل تستخدمين الذكاء الاصطناعي؟ وماذا سميته؟ وهل يتحدث بلهجتك؟
ضحكت حينها، ولم أدرِ إن كنت أضحك من غرابة السؤال أم من اعتياديته!
أدركت حينها أن الذكاء الاصطناعي أصبح شيئًا شخصيًا جدًا لدى الناس، إلى الحد الذي يُعامَل فيه وكأنه مولود جديد أو صديق مقرب!
نعم، بتنا نسمع هذه الأسئلة الغريبة في اجتماعاتنا، سواء كانت عائلية، مدرسية، أو حتى في محيط العمل:
هل تستخدم AI؟ ماذا سميته؟ ماهي لهجته؟ هل هو ذكي أكثر منك؟
أسئلة لم تكن لتُطرح قبل سنوات قليلة، لكنها الآن جزء من حديثنا اليومي، وكأننا نتحدث عن زميل جديد أو جار حديث الانتقال.
هذه الظاهرة ليست صدفة. بل هي نابعة من طبيعتنا البشرية العميقة. الإنسان بطبعه يميل إلى إضفاء الطابع الإنساني على الأشياء من حوله، خصوصًا ما يشاركه الحديث أو يرد عليه بكلمات تشبه البشر.
سبق أن أطلقنا أسماء على سياراتنا، وربما تحدثنا مع حواسيبنا في لحظات الغضب أو الضيق. فما بالك بأنظمة ذكاء اصطناعي تتحدث بصوت لطيف، تفهم السياق، وترد بابتسامة رقمية؟
هنا يبدأ الخلط.
وليس هذا فحسب، بل اللغة التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي اليوم أصبحت بشرية لدرجة مقلقة. تشعر أن وراء النص عقلًا حقيقيًا، وربما قلبًا، وهذا وهم خطير. فمهما بدا الحوار واقعيًا، يبقى البرنامج بلا نية، ولا وعي، ولا مشاعر.
انتبه ..AI ليس صديقك!
قد تبدو هذه الظاهرة بريئة، بل وحتى لطيفة للبعض، لكن الحقيقة أن الخط الفاصل بين الإنسان والآلة بدأ يتلاشى عند كثير من الناس، خصوصًا الصغار أو من يعانون الوحدة.
لقد سمعنا عن أشخاص يتحدثون لساعات يوميًا مع برامج محادثة، يشاركونها أسرارهم، مخاوفهم، وأحلامهم، وكأنها كائن واعٍ. وهذا يخلق علاقات عاطفية وهمية، تضر بالصحة النفسية، وتزيد من العزلة الاجتماعية.
والأخطر من ذلك، أن البعض بدأ يحمّل الذكاء الاصطناعي مسؤوليات مهمة فيسألونه عن قرارات مصيرية، ثم يقولون: هو اللي نصحني. وهذا خلط خطير، فالذكاء الاصطناعي أداة، لا يتحمل عواقب، ولا يُحاسب على نتائج.
ما العمل إذًا؟
لا نقول: لا تتحدث مع الذكاء الاصطناعي.
ولا نقول: تجاهله تمامًا.
بل نقول: افهمه كما هو.
هو أداة ذكية، صمّمتها عقول بشرية لتسهل حياتك، لا لتأخذ مكان الإنسان في وجدانك.
يمكنك استخدامه للبحث، للكتابة، للمساعدة، لكن لا تنخدع وتظنه رفيق درب أو مستشارًا روحانيًا.
وإذا أعطيته اسمًا... فلا تنسَ أنه لا يعرف حتى اسمه الحقيقي.