منذ أن بدأت رحلتي في تتبع مسارات الرياضيين، وجدتُ أن هناك عنصرًا ثابتًا مشتركًا بين الذين برزوا وتألقوا في مختلف ميادين الرياضة، ألا وهو التأسيس المبكر. تلك البذرة الصغيرة التي تُزرع في سنوات العمر الأولى، تُشكّلُ فيما بعدُ جذرًا راسخًا، وشجرةً باسقةً يانعةً تمتدّ في مختلف اتجاهات الحياة.
إنّ التأسيس المبكر في عالم الرياضة يأتي في المرتبة الثانية بعد تعليم الطفل العقيدة الصحيحة والدين القويم، فهو لا يقتصر فقط على اكتساب المهارات البدنية وصقل المواهب، بل هو في جوهره ترسيخٌ لقيمٍ ومبادئ رفيعة، كالصبر والإصرار والانضباط، وهي قيمٌ تُشكّلُ قاعدة متينةً يبني عليها الطفل مستقبلَه، ليس الرياضي فحسب، بل والإنساني والاجتماعي والروحي أيضًا.
حين يُقبل الطفل على الرياضة في سنواته المبكرة بعد تعلّمه المبادئ الدينية والعقيدة الصحيحة، فإنه يكون كمن يُقبل على مدرسة الحياة الحقيقية، فيتعلم كيف ينتصر دون غرور، ويخسر دون يأس، وكيف يُدير وقته بانتظام، ويُنصت جيدًا لتوجيهات المدرب والمعلم. هنا، لا تكون الرياضة مجرد حركة للجسد، بل تدريبًا متكاملًا للعقل والشخصية والقلب، مكملاً للدور التربوي الديني الذي يُربّي النفس ويهذب الأخلاق.
لقد شاهدنا على مرّ التاريخ الرياضي كيف أن الرياضيين الذين بدأوا مسيرتهم مبكرًا، نجحوا في الحفاظ على مستويات عالية من الأداء، وكانت مسيرتهم أقل عرضة للإصابات والتقلبات الحادة. والسبب بسيط: لقد تعوّد جسدُهم على نظام حياة صحيّ ومتوازن منذ الصغر، فتراهم ينضجون رياضيًا بشكل متزن ومنسجم.
والتأسيس الرياضي المبكر ليس مسؤولية الأندية والمدربين وحدهم، بل هو مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع بأسره، فكلّما توافرت بيئة داعمة ومشجعة على ممارسة الرياضة، وكلما كانت البرامج التدريبية والتعليمية متوافقةً مع متطلبات هذه المرحلة العمرية الحساسة، ازداد احتمال بناء جيل رياضي واعد، قادر على المنافسة والتحدي والتزام القيم الدينية السامية.
ختامًا، إنّ الاستثمار الحقيقي في أطفالنا رياضيًا، بعد غرس مبادئ العقيدة والدين في نفوسهم، هو استثمار في مستقبلهم وصحتهم النفسية والبدنية والروحية، وهو بلا شك البناء القوي والأساس المتين الذي تنمو عليه شخصياتهم، وتنطلق منه طاقاتهم نحو آفاق النجاح والتفوق بإذن الله.
** **
- عبدالمجيد بن إبراهيم الماجد