د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
استناداً وامتثالاً لقوله تعالى: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} (سورة الحجر آية: 65).
فإن الصعود للأعلى لابد أن يكون نابعاً من داخل الذات الإنسانية؛ فإذا ما رغبنا في رسم خريطة المستقبل؛ خاصة في الارتباطات التي تكمن تشريعاتها في الأعلى، ثم يحملها الناقلون لذلك التشريع إلى حياض المنفذين لها، ومن ثمَّ المستفيدون منها؛ فلابد حينذاك من عبور اشتباك ودود مع الخطة والأهداف، وعندما يتم العبور المنظم فإن المتخيّل المتوقع أن الأغصان تزهر في منعرجات الطريق وثناياه؛ وتمتلئ الأحاسيس بالإثارات التي تبشر بالقادم؛ وتحمل أنباء الامتلاءات العائدة بكل تفاصيلها بوفر وثمر وسمر في مسارات عديدة قد تتفرَّع وتنتهي جميعاً إلى مستخلصات منتجة، وللاستدامة ينبغي أن تكون المستويات الممكنة للولوج إلى مسطحات النماء ومفاوزه تمثّل تكافؤا ممكنا، وأصداء متناغمة بين الراوي والمروي عنه؛ وبين الباحثين ومضامين أُطروحاتهم، وبين صانعي المنتجات وبيئات المستهلكين، والأهم بين الفكر ومتطلبات الفئات المحيطة، والتكافؤ بين مفاصل الإنتاج ذي النمط والدائرة الواحدة، وكون المنتج غير قابل للانفصال تنفيذيا؛ وأخيراً التكافؤ بين القدرة على صنع القرارات، والشجاعة على إصدارها والقوة في تنفيذها.
وحتما ويقينا تكون الأهداف صحيحة عندما لا تكون مضماراً للتمارين والتأويلات؛ حتى لا تصبح أقل تركيزاً واستهدافاً! وتتحوّل إلى صياغة مفاهيم فقط تعيش خارج نطاقات التنفيذ؛ ويعتبر بناء الأهداف؛ وتحديد المسارات من حذق الصنعة وفهم الصناعة؛ ودفع للعثرات وعتق من الإرباك.
ودائماً ما يطالعنا علم الإدارة الحديث بالقطبين الحاملين للأهداف وهما الرؤية والرسالة؛ ولزاما أن يتحرك كل منهما لملاقاة الآخر من خلال محمولات تفيض واقعية وطموحاً وتمكين وصولا إلى مسارات التنفيذ، ولا بدّ من وجود أصل يُقاس عليه، وفرع يُقاس، وقواسم مشتركة، أو علة جامعة، ثم حكم للاحتكام إليه. ولقد حفظت لنا العقيدة الإسلامية نماذج تُحتذى في تحديد ورسم المسارات والأهداف؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} (سورة الأعراف آية: 11).
وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف عندما أرسله في غزوة (اغزوا جميعا في سبيل الله؛ فقاتلوا من كفر بالله، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، فهذا عهد الله، وسيرة نبيه فيكم) رواه أحمد في مسنده.
نعم إن الأهداف الملأى بما ينفع الناس ويمكث في الأرض؛ تبدأ من سقي أخضر، فيغدو المستهدف عبقرياً تتجاوب عنده أصداء النجاح، وتتآلف القلوب قال تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} (سورة البقرة :آية 60)؛ فالمقاصد الصحيحة، والأهداف الحرة هي التي يشعر الإنسان كلما أراد أن ينصب نفسه عليها بأنها أحق منه بالتنصيب؛ فنحن أمام عمليات تأسيس أصول محددة لقضايا شاملة يشدّ بعضها بعضا، ولابد من اتصال وتواصل متين بين أهل الاختصاص وروّاد المهنة مما يسهم بتجسير الهوة بين الأنظمة والتخطيط الاستراتيجي لأن غياب المشاركة العامة خبن لا يمكن رتقه؛ وفي فضاءات الأهداف الصحيحة يتعسكر الوعي وينضبط الواقع للقوانين، وتُستزرع المشاريع الإيجابية، ولا تمتهن الجهود الإنسانية الوافرة ويضاف البعد الإنساني كمستند هام للقبول والرضا في أوساط المستفيدين، وتقديم الخدمات في بيئات تحترم الإنتاج وتوقر المنتجين، فتحويل التحديات إلى فرص كبرى يلزمه مرجعيات نظامية ومؤسسية متينة وكل ذلك لابد أن لا يجافي المعرفة العميقة والتجربة الفاصلة حيث نؤمن حتما أن المشروعات الناجحة هي وليدة أفكار جريئة تتجاوز مفهوم النمطية.
وكل إستراتيجية قويمة إنجاز حقيقي لأهداف التنمية المستدامة وما دونها لهاث لملاحقة المفهوم! كما أن التعاطي بإيجابية مع إستراتيجية النهوض يلزمه فكر وكر وفر.. وبالله التوفيق!