م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
** تصف التعريفات الحديثة التطرف بأنه: موقف سياسي أو ديني، يرفض معتنقوه أي فرصة للحوار، أو تلميح حول وجود قصور في تأويلهم أو فهمهم للأمور، ويصلون في تطرفهم إلى حد العنف الجسدي.
وتقول الدراسات بأن الإنسان العادي يمكن أن يتحول إلى إنسان وحشي بشع يقوم بأعمال فوق العادية.. وكل ما يحتاجه الأمر هو ظروف اجتماعية مواتية تجعل العاديين يقومون بأفعال غير عادية وغير متوقعة.
هذا يثير أسئلة منها: هل يوجد ارتباط بين الفعل العنيف واعتناق الفكر المتطرف؟ أليس هناك فئات عديدة تتعاطف مع الفكر المتطرف لكنها ليست شخصيات عنيفة؟ أليس هناك أفراد من المجتمع غير منتمين لأي فكر متطرف وهم أبعد الناس عن الأدلجة الفكرية، ولا يؤمنون بأي معتقد أو عقيدة جماعية، بل وليس لديهم معرفة عميقة بأي فكر، فهم سطحيو التفكير والفكر ومع ذلك قاموا بأعمال إرهابية عنيفة بإيمان عميق؟ التطرف هو عملية طوعية للفرد تحدث بإرادته فهو صاحب قرار التحول للتطرف.. وهو الذي يبحث عن مصادر التعبئة والحشد والتجنيد لأنها تقدم له الفرصة للتحول وتغيير الاتجاه، وتمثل له بديلاً ذاتياً يحقق أهدافه الكامنة.. أي أن التحول ليس عملية فجائية بل شعور كامن ينتظر اللحظة المناسبة والفرصة المتاحة للخروج للعلن.. ويكفي أن نرى أن مراكز التجنيد الكبرى للمنظمات الإرهابية هي مواقع افتراضية على الشبكة الإلكترونية، هم لم يتصلوا به هو اتصل بهم.
وحتى تستمر وتقوى وتكبر الحركات الاجتماعية سواء مدنية مسالمة أو فكرية متطرفة لا بد من أن تعتمد على أربعة محاور وهي: خلق التعبئة العامة، إقامة شبكة علاقات تستخدم في التجنيد، إيجاد الحوافز الدافعة للمشاركة، وتسهيل المشاركة في الحركات والتنظيمات.
الحقيقة أن المجتمعات الضيقة المنغلقة التي تعاني من تصدعات نفسية نتيجة لقسوة البيئة أو الظروف المحيطة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أنتجت مجتمعات ذات قيم خاصة تميل للكلفة والعسر وتحبذ القوة والعنف، وتنقاد للتشدد، وتتعامل مع الحياة والناس بحدة، وتجتر الماضي كمثال للنقاء والجمال، وتستنكر الرفق بالناس.
هذه المجتمعات المنغلقة أخرجت أناساً وإن كانوا معاصرين بزمنهم وأجسادهم، إلا أنهم متخلفون قديمون في فكرهم مأسورون بما وردهم وورثوه من الماضي السحيق.. المشكلة أن قبول الأسر لذلك الماضي الذي لم يعد صالحاً لزماننا ولا نافعاً لأجيالنا وأصبح مصدر إعاقة لا وسيلة تقدم ونمو وازدهار، ينبع من إحساس الفرد أن ذلك الماضي منزه، وفي بعض مناحيه مقدس، وأنه صالح لكل زمان ومكان!
وإذا كان المجتمع يردد مع الشاعر «نعيب زماننا والعيب فينا» فإنه يرى أن ذلك العيب هو في عجزه عن اتباع الماضي، وليس استحداث الجديد والسير للمستقبل.. صحيح أن ذلك التخلف تجاوز الألف عام أنه لا يهم في عقلنا الباطن، فما ورثناه يجب أن يكون صالحاً لهذا الزمن وكل زمن، ولهذا الميدان وكل ميدان، والخطورة أننا بتنا نرى أي نوع من التطوير والتحسين نوعاً من الانحراف، وأن أي خطوة للعيش في زماننا إنما هي ممارسة للخروج من كينونة الإنسان النقية والانحراف نحو التلوث، يقود حتماً إلى الاندثار.
** المجتمعات المنغلقة مزرعة مناسبة لنمو التطرف.