سارة الشهري
غالباً ما يرتبط بذاكرتنا مع العطلة الصيفية لعبنا المتواصل على أجهزة الألعاب الإلكترونية، كنا نحشر رؤوسنا أمام شاشات صغيرة، نضحك، نصرخ، نتحمَّس... أحياناً نبكي لأن الكهرباء انقطعت قبل أن نحفظ التقدم في اللعبة.
أيام كنا نعدّ فيها النقاط في (ماريو) وكأنها رصيد في البنك، ونتسابق في من يختم لعبة (تيكن) دون أن يخسر جولة.
نعم، نحن الجيل الذي عاش الطفولة بين أزرار الأتاري والسوبر نينتندو، وتفاخر بجهاز الجيم بوي، حتى جاءت موجة الـ PlayStation وعشاق FIFA ومهوسي Crash Bandicoot.
تلك الليالي الصيفية لم تكن فقط متعة طفولة... بل كانت بذرة.
بذرة حلم لم نكن نعرفه... لكنه اليوم صار شجرة تُظلّل العالم.
لم يكن أحد يتخيل أن تلك اللعبات التي كانت تملأ أوقات الفراغ، ستكبر، وتنضج، وتُصبح رياضة.
بل أكثر من ذلك... كأس عالم.
وفي قلبها النابض... الرياض.
في صيفنا الحالي 2025، توقفت ساعات العالم قليلاً لتنظر إلى السعودية، حيث اجتمع أكثر من 2000 لاعب من أنحاء الأرض، من طوكيو إلى نيويورك، ومن سيؤول إلى باريس، ليخوضوا أكبر بطولة ألعاب إلكترونية عرفها التاريخ:
كأس العالم للرياضات الإلكترونية.
هل تتذكر أول مرة كسبت فيها مباراة FIFA؟ كم شعرت بالفخر؟ الآن تخيل هذا الشعور مضروبًا في 70 مليون دولار قيمة الجوائز التي تقدمها البطولة!
بل هناك جائزة خاصة للفرق المتكاملة تُسمى بطولة الأندية (Club Championship)، فيها يُحسب الأداء عبر ألعاب متعددة، تمامًا كما تجمع اللياقة والمهارة والتكتيك في الرياضات التقليدية.
من أول يوم، كان واضحًا أن الحدث هذا أكبر من مجرد منافسات.
حفلات موسيقية، ورش عمل، حضور مشاهير مثل كريستيانو رونالدو (سفير البطولة)، عروض ضوئية، وتجارب ترفيهية تحاكي الخيال.
الشطرنج دخل كمنافسة رسمية! وشارك فيها ماغنوس كارلسن، وكلعبة إلكترونية، وليس فقط على الطاولة.
حتى الألعاب التي تربينا عليها، مثل Street Fighter، رجعت تحت الأضواء، لكن بحلّة جديدة، وبنفس الشعور الذي كان يسكننا أول مرة فزنا فيها على اللاعب الثاني.
كأس العالم هذا لم يكن فقط عن الألعاب، كان أيضًا رسالة واضحة:
السعودية تستثمر في الجيل القادم، في الذكاء، في الترفيه، في الإبداع.
عندما وقف اللاعبون على مسرح البطولة، وسط هتاف آلاف الحاضرين، وتحت الأضواء... لم يكن أحد فيهم يلعب فقط.
بل كانوا يحلمون، وكانوا يُلهمون.
الليلة التي كنا نختم فيها لعبة قديمة ونشعر بالنصر... أصبحت اليوم بطولة فيها جمهور، وكأس، ومجد.
هذه ليست فقط بطولة، بل إعلان ناعم وقوي في الوقت نفسه:
نحن هنا. نمتلك الحاضر، ونبني المستقبل.
الرياض اليوم لا تستضيف فقط فعاليات... بل تصنع ذاكرة جديدة لجيل كامل.
جيل لم يعرف الطباشير والسبورة، لكنه يحترف الأزرار والشاشات.
جيل لا يطمح فقط أن (يختم اللعبة)، بل أن يعتلي المنصة، ويرفع الكأس.