د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
طالعتنا منصات الإعلام والتواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي بما صدر عن وزارة التعليم باعتماد الضوابط التنظيمية لمرحلة رياض الأطفال؛ وتلك الضوابط احتضنت صورا مضيئة تنير دروب الأطفال في تلك المرحلة كما تُحفز طواقم العمل التربوي فيها أيضا، ومما علا واعتلى أخبار التواصل الإعلامي تحديد نصاب معلمة رياض الأطفال بما لا يزيد عن خمسة عشر طفلا كحد أقصى، والضوابط التنظيمية حتما تنطلق من دراسات تقويمية ممنهجة ودراسات بحثية عن تأثير السياسات التعليمية المطبقة في مرحلة رياض الأطفال تنظيما ومحتوى على التحصيل المعرفي والسلوكي في مراحل لاحقة على الطلاب الملتحقين بمرحلة رياض الأطفال!؟
وهذا التقييم وتلك الدراسات ستكون دائما مسترادا واسعا لتعديل خطوط الإنتاج في تربية وتعليم رياض الأطفال؛ وحتما سيكون الوصول إلى بوابات الطفولة وتعليمهم متحققا باعتبار أن تلك المرحلة ذات شأن مؤثر في صناعة المستقبل الوطني والمجتمعي والشخصي فهذه التنظيمات «التشغيلية» انطلقت من التقييم لما هو قائم ومطبق، وما زالت تلك المرحلة تتطلب تقييما وتقويما لأساليب التلقي المطبقة في تلك المرحلة! كما نؤكد أن مرحلة رياض الأطفال تتطلب إجراء مقارنات معيارية بين منظومة العمل ومحتويات المنتج في مرحلة رياض الأطفال في بلادنا، وما هو مطبق في العالم ؛ويكون المستهدف فيها المخرجات ومستوياتها ؛ حيث إن ما مرّ وعبر من برامج تطوير في مرحلة رياض الأطفال كانت لها تقاطعاتها مع منظومة التعليم العام التي تركز غالبا على المعرفة، بينما مرحلة رياض الأطفال تركز على بناء الشخصية وتحقيق الحضور المجتمعي!
والحديث ذو شجون؛ والأولوية اعتماد نموذج وطني للتعليم في رياض الأطفال قابل للتطبيق مع الاستفادة من أساليب عالمية أفرزت نواتج جيدة دون نسف الجهود المحلية مطلقا فأي تعديل لا يحترم النموذج المحلي سيكون غريبا حتما ! ولعلنا نتكئ على فرص الاندماج مع بعض البرامج التعليمية ذات القيمة العالية عربيا وعالميا في تلك المرحلة كمفتتح للتجربة الودودة وترقية مستويات التلقي، وأن ننتهج المواءمة مع ما لدينا مما يحتاج إلى فرز وتقويم، ولو بسطنا الحديث عن البساط الذي تسير عليه الطفولة في بلادنا؛ وعن مرتكزات نهوضها حتى ندرك شغف الذين ينادون بأن يكون أطفالنا في مستقبلهم قادة للفكر والرأي المعتدل وصُناعاً للإبداع ومنافسين للعالم فمن خلال اطلاعي وجدتُ تواتراً يكاد يبلغُ الإجماع عند من يهتمون بالطفولة في بلادنا بأن يحمل الحراك حول تعليم الطفولة وإعدادها للحياة جهاز واحد تلتقي فيه قطاراتها التي كانت ومازالت تُرصد بجهود متوالية من خلال منصات الدعم الحكومي ومؤسسات المجتمع المدني كوزارة التعليم؛ ومصادر الثقافة المرئية والمقروءة والمسموعة ؛ واللجان الوطنية وجمعيات حماية الطفولة ومجلس شئون الأسرة الذي منحته قيادتنا الرشيدة بذور الاستزراع في ذلك الجانب وما يخطط له حاليا في قطاعات عديدة، وما ينتظره مستراد الطفولة من نوافذ ضوء أخرى تضمنتها رؤية بلادنا العملاقة 2030، فلعلها تلتقي في مركز وطني مستقل للطفولة المبكرة أسوة بالمركز الوطني للمناهج الذي بدأ حديثا وكان عملاقا ومازال ؛ لتكون استراتيجية العمل في مرحلة رياض الأطفال حضارية فريدة البناء والأهداف وفيرة المنتجات؛ باسقة النتائج، وأن يكون ذلك في منصات التأسيس، وإعداد من يقود مراكب الطفولة في بلادنا من خلال مقومات ومعايير علمية ممنهجة! ذلك لأن إشكالية التلقّي في تلك المرحلة المهمة من العمر مازالت تحتاج وفيرا من عمل واستراتيجيات متينة، فأين منا دمج المعرفة بواقع التقنية (رقمنة المناهج) الذي يحيط بيئات الأطفال أنفسهم!؟ وأين منا تحقيق السيادة بتأصيل مناهج التعليم لفئات الطفولة من الداخل قبل الخارج!؟ وأين منا المسرح التعليمي الزاخر بمحفزات النهوض بمآثر الماضي لترتاده الطفولة في بلادنا لترى فيه مستقبلها الواعد!، كما أن السرد الفني وإخراجه في صور مشوقة يمثل أدوارا معرفية وتربوية عالية، إذا ما أحسن اختيار محتوياته فيختزل الكثير من الخبرات والمعارف ويقدمها للأطال بشكل مشوق وجاذب، وتكسبهم في أذهانهم ونموهم الفكري أشكالا حسية وإبداعية شتى مما يصنع من المعرفة زُمرا وتكسبهم من القيم حزما تتصدى لثقافة الصور الاستهلاكية التي غزت فضاءات الطفولة؛ فنحن نحتاج حتما إلى أرضية تربوية تحترم وعي الأطفال بالمواقف المدهشة الحية، والقيم النبيلة وتؤمن بتأثيرها إذا ما اصطفتْ كفاصل بين المواقف التي تحترم خصوصيتهم!
كما يلزمنا العناية بالفن كقاعدة من القواعد الأساسية لبناء المشروع التعليمي ليهذب النفوس وينمي الذوق، ويحفز القيم الشافية وأين منا بناء علاقة حقيقية بين كل مؤسسات الطفولة وبيئات الأطفال داخل الأسرة؛ فمرحلة الطفولة بداية حدائق الغرس فتحتاج إلى غرس وجداني نامٍ محفزٍ تمخر من خلاله تلك الفئة العمرية إلى بحور المعرفة الواسعة في مستقبلها، ويرتفع خطاب تعليم الطفولة في بلادنا إلى مسارات أكثر اتساعا وإقناعا (وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا).
يقول الشاعر بدوي الجبل:
«و صن ضحكة الأطفال يا رب إنها
إذا غرّدتْ في موحش الرمل أعشبا»