سارة الشهري
في زمنٍ يتغير فيه كل شيء بسرعة تفوق قدرتنا على التوقّع، لم يعد مقبولًا أن تبقى المناهج الدراسية كما كانت. فبعض المواد غادرت مقاعد الدراسة، وأخرى عادت بثوبٍ جديد، وثالثة تم دمجها لتلائم إيقاع العصر. وبين هذا وذاك، ظهر منهج مختلف، جريء، يليق بجيل لم يُولد إلا وهو يُحدّق في شاشة.
هذا المنهج ليس تاريخًا ولا جغرافيا، بل هو المستقبل نفسه: الذكاء الاصطناعي.
عندما تقرر وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية إدخال الذكاء الاصطناعي في المناهج، فهذا ليس فقط قرارًا تقنيًا، بل رؤية استراتيجية تؤمن بأن الاستثمار الحقيقي يبدأ من المدرسة. المملكة اليوم لا تكتفي بأن تواكب الركب، بل تسعى لأن تقوده. ومن خلال هذا المنهج، يتم إعداد جيل يعرف كيف يفكر، لا فقط فيمَ يفكر.
لطالما كان التعليم يسير في خط مستقيم: معلّم يُلقي وطالب يتلقّى. لكن الذكاء الاصطناعي جاء ليكسر هذا النمط، وينقل العملية التعليمية إلى فضاء أكثر تفاعلية وخصوصية. فبدلاً من تلقين الجميع الدرس ذاته بالطريقة ذاتها، أصبح بالإمكان أن يتلقى كل طالب تجربته التعليمية المصممة على مقاسه، بفضل أنظمة تحليل البيانات التكيفية التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي ليس كتاباً نُدرّسه فحسب، بل تجربة تعليمية تفاعلية. يتعلّم فيها الطالب من الصفوف الدنيا إلى العليا كل ما يتعلق بهذه الأداة، فلن نتعجب عند مقدرة طلابنا على تصميم نموذج يتنبأ بنتائج، أو يُبرمج روبوتًا بسيطًا، أو يحلل بيانات بيئته المدرسية. لم يعد الصف مكانًا للاستماع فقط، بل أصبح مختبرًا للتجريب، ومسرحًا للأفكار، وحلقة وصل بين التلميذ والعالم.
لن يلغي الذكاء الاصطناعي دور المعلّم، بل سيمنحه جناحين جديدين. فالمعلم هو من يزرع السؤال، والذكاء الاصطناعي يساعد الطالب في البحث عن الجواب. العلاقة هنا ليست صراعًا، بل تكاملًا يصنع تعليمًا أكثر ثراء ومرونة.
قد يبدو غريبًا أن يصبح الذكاء الاصطناعي مادة دراسية، لكن الأغرب هو أن نحاول إعداد جيل للمستقبل بأدوات الماضي.
وبينما كان الآباء يتعلّمون كيف يستخدمون الحاسوب، سيتعلّم الأبناء كيف يصنعون العقول الإلكترونية.
إنه أكثر من مجرّد منهج...
إنه تصريح دخولٍ إلى عصر لا مكان فيه إلا لمن يُجيد لغة المستقبل.