سارة الشهري
في زمنٍ كانت فيه الإعاقة تشكل عائقًا كبيرًا أمام كثير من الطموحات، جاء الذكاء الاصطناعي ليفتح نوافذ الأمل من جديد، ويقول بلغة التقدّم: لا شيء مستحيل. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أدوات تقنية تُبرمج في المعامل والمختبرات، بل أصبح شريكًا حقيقيًا في الحياة اليومية، وخصوصًا في حياة ذوي الهمم.
اليوم، يستطيع الكفيف أن يرى العالم من حوله عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تصف له الصور، وتقرأ له النصوص، وتوجهه في الطرقات، لم تعد العصا البيضاء وحدها وسيلته في التنقّل، بل بات لديه مساعد ذكي يخبره بمن يقف أمامه، ويُخبره بلغة الصوت عمّا لا تستطيع عيناه رؤيته.
أما من يعانون من ضعف السمع، فقد فتحت لهم تقنيات الذكاء الاصطناعي بابًا جديدًا للتواصل. تطبيقات الترجمة الفورية للغة الإشارة، وبرامج تحويل الصوت إلى نص بشكل لحظي، جعلت الحوار ممكنًا مع من كانوا يجدون في الصمت جدارًا عازلًا بينهم وبين المجتمع.
ذوو الإعاقات الحركية أيضًا كان لهم نصيب من هذا التقدّم، فبضغطة عين - حرفيًا - يمكن للذكاء الاصطناعي أن يستجيب للأوامر، يشغّل الأجهزة، يكتب، بل ويرسم. تخيّل شخصًا لا يستطيع تحريك أطرافه، لكنه عبر خوارزميات ذكية يتحكّم في الكرسي، أو يفتح الباب، أو يُدير مكالمة مع أحبائه. هذه ليست أحلاما خيالية، بل واقع نعيشه اليوم.
ليس هذا فحسب، بل إن الذكاء الاصطناعي في المملكة دخل المدارس والمراكز التأهيلية، وبدأ يُصمم مناهج مخصصة تناسب كل حالة، ويحلل مستوى الطالب ويقترح عليه أنشطة تعليمية تتوافق مع قدراته. هناك روبوتات تفاعلية تساعد الأطفال من ذوي التوحد على التعلم والتواصل، وتطبيقات تدرب الأطفال على النطق الصحيح، وتمنحهم التشجيع بلغة يفهمونها ويحبونها.
ومن المجالات التي بدأت تشهد خطوات واعدة في المملكة العربية السعودية هي الصحافة، إذ بات كثير من ذوي الهمم يتجهون لتعلّم الإعلام وكتابة المقالات والتقارير والتعبير عن أنفسهم من خلالها، كوسيلة لتوثيق تجاربهم والتأثير في الرأي العام. ولأن الكلمة لا تميّز بين جسد سليم أو إعاقة، بدأت الجامعات السعودية في احتضان هذه الطموحات.
جامعة الملك سعود، وجامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وغيرها، باتت تُقدّم تخصص الإعلام بكل فروعه، وتدعم الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال مراكز متخصصة، ومترجمي لغة الإشارة، وتقنيات قارئة للمكفوفين، ومرافق ذكية صُممت آخذة كرامة الإنسان وخصوصيته في الاعتبار.
بل إن الجامعة السعودية الإلكترونية كانت حلًّا ذكيًا ومرنًا، خاصة لمن يواجهون صعوبات حركية، إذ تقدم تخصص الإعلام الرقمي بشكل إلكتروني بالكامل، مما يمنح طلابها حرية أكبر وتكيّفًا ذاتيًا مع بيئتهم.
وفي كل قاعة، وكل شاشة، أصبح الذكاء الاصطناعي يمد يد العون: يساعد على الكتابة، يقرأ النصوص، يحرّر الصوت، ويحوّل الفكرة إلى مقال مكتمل. لم يعد الصحفي بحاجة إلى أوراق وكاميرات فقط، بل إلى شغف وشريك تقني مخلص.
الصحافة لم تعد حكرًا على من يكتب بيديه أو يتنقّل بحرّية، بل أصبحت فضاءً مفتوحًا لكل من يملك الكلمة والفكرة والرسالة، والذكاء الاصطناعي هنا لا يُلغي الإنسان، بل يعيده إلى مركز الحكاية... ويمنح ذوي الهمم الفرصة ليكتبوا واقعهم بأنفسهم، لا أن يُكتَب عنهم فقط.
كل ذلك مدعوم بمبادرات من وزارة التعليم وهيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تسعى لضمان تكافؤ الفرص والدمج الكامل داخل المجتمع الأكاديمي.
والأجمل من ذلك، أن الصحافة نفسها بدأت تفتح أبوابها لهم، لا كمجرد (قصص ملهمة)، بل كأصحاب قلم وموقف، لهم أسلوبهم وطريقتهم، وتأثيرهم.
لم تعد الصحافة والإعلام حكرًا على من يمسك بالقلم أو يقف خلف الكاميرا. الذكاء الاصطناعي في المملكة منح ذوي الهمم مفتاحًا جديدًا للوصول، بل منحهم الحق في أن يروا، ويكتبوا، ويُسمِعوا صوتهم بكل فخر.