تشهد السياسة الخارجية السعودية تناميًا مستمرًا في الأداء والحضور على الساحة الدولية أكثر من أي وقتٍ مضى، فأصبحت المملكة العربية السعودية تتواجد بشكل مكثف في مختلف المناسبات والأحداث العالمية. دون الاكتفاء بمجرد التواجد بها بل مع تقديم رؤى واضحة على حسب طبيعة الحدث، وأخذ زمام المبادرة في تقديم الحلول وتقريب وجهات النظر في القضايا المعاصرة والمسائل الشائكة على المستويين الإقليمي والدولي.
بالإضافة إلى أن احتضانها للعديد من المؤتمرات والمحافل الدولية في المجالات التقليدية التي للمملكة باع طويل في إدارتها، وأيضًا للمجالات الحديثة التي سرعان ما وضعت السعودية لها بصمة واضحة فيها كموضوعات الصحة وتغير المناخ وحماية البيئة والذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة والرياضة، وفقًا لتجاربها الناجحة في تطبيق سياسات الالتزام والاستدامة خلال فترة زمنية قصيرة مما جعلها من ضمن الدول الرائدة في هذا الشأن. فهذا كله دليل واضح على أن العاصمة الرياض تستحق وبكل جدارة لتكون مقرًا للتناقش والتفاوض وتبادل الأفكار وتقديم الآراء في شتى المجالات.
وبكل تأكيد فإن مرتكزات السياسة الخارجية السعودية شهدت تطورًا ملحوظَا في الأعوام الماضية القليلة وأصبحت محددة بشكل فعال ومتزامنة مع المستجدات السياسية والاقتصادية والأمنية. مما يبرهن على أن عملية صنع السياسة الخارجية تمر في عدة مراحل بدءًا من التحليل السياسي وتقدير المنافع واستعراض البدائل الممكنة والأخذ بمفهوم (التحرك وفق ما يخدم المصلحة). وهذا نتاج لتحديد أولويات المملكة الخارجية وأهدافها السامية في تحقيق المصلحة الوطنية والحفاظ على مكانتها الرفيعة في المجتمع الدولي ومساعيها الحميدة في تحقيق السلم والأمن الدوليين، في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظهما الله -.
ومن جانب آخر فإن رؤية السعودية 2030 باعتبارها إطارًا عامًا ومحركًا رئيسًا لصياغة ورسم السياسة العامة للمملكة العربية السعودية في الشأنين الداخلي والخارجي، فهي تسهم في بروز وبلورة المرتكزات الأساسية للسياسة الخارجية بشكل أوضح كونها امتدادًا لها وأداة مهمة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والانتقال إلى مرحلةٍ جديدة من التنوع الاقتصادي بوتيرةٍ أسرع، والاستفادة من المقومات الوطنية الراسخة في فرض نموذج سعودي ينمو بشكل سريع ضمن حركة التفاعلات الدولية.
وكما يتجلى ذلك بحرص السياسة الخارجية السعودية على توسيع الشراكات الثنائية والمتعددة الأطراف وتنويع التحالفات مع التكتلات السياسية والاقتصادية الدولية، ويصبو ذلك إلى بناء أكبر قدر من الحلفاء الإقليميين والدوليين للتكيف مع أية تغييرات تطرأ على النسق الدولي مستقبلًا، وعدم الاكتفاء بأسلوب التحالف التقليدي الذي يقيد حدود الدولة ضمن دائرة سياسية محدودة.
ولا شك بأن المتتبع للسياسة الخارجية السعودية هو على يقين تام بأنها تسير على خطى ثابتة نحو الحفاظ على دورها المحوري في ظل المتغيرات السياسية المستمرة، وتعزيز وجودها كلبنة أساسية في النظام الدولي الراهن حسبما تقتضيه علاقاتها الاستراتيجية مع مختلف القوى. وعلاوة على ذلك فالمملكة العربية السعودية قوة إقليمية تتمتع بصفات فريدة من ثقل سياسي ملموس نابع عن استقرارها السياسي وقوة اقتصادية هائلة لامتلاكها ثاني أكبر احتياطي نفطي على مستوى العالم وموقع جغرافي استراتيجي وقيادة شابة طموحة.
وفي هذا الصدد يلاحظ بأن المملكة تمضي قدمًا في هذا التوجه الخارجي المتميز من خلال بذلها للمزيد من الجهود لزيادة التحالفات الثنائية ورفع مستوى الشراكات الاستراتيجية المتنوعة. وبالطبع وزارة الخارجية هي المناطة بهذا الدور بشكل رئيس لأنها المؤسسة الأولى المعنية في عملية بناء وتنسيق السياسة الخارجية وتحديد ملامحها، وكذلك تعزيز العلاقات الثنائية بواسطة السفارات والممثليات السعودية المنتشرة حول العالم والتي تقوم دومًا بدور جوهري في تعزيز العلاقات مع الدول المضيفة.
وفي النهاية كما هو معلوم في السياسة الخارجية الباب دائمًا مفتوح للبحث عن آفاق أوسع لتنمية العلاقات الثنائية والوصول لمرحلة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، للمملكة مع الدول الصديقة والشقيقة التي تتقاسم معها هذه التطلعات الهادفة إلى تعزيز أواصر التعاون وتحقيق المصالح المشتركة. وبلا شك فإن تعزيز مثل هذه الشراكات سينعكس إيجابًا على المملكة وستحافظ على الرفاه والازدهار والاستقرار للأجيال السعودية القادمة.
** **
- عبدالعزيز بن عليان العنيزان