م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - يثور التطرف عندما تضيق زاوية الرؤية فلا يرى الإنسان الخير والعدل والورع إلا فيما يراه هو دون سواه.. فالتطرف يزدهر عند قصور البصر عن الانتقال إلى عدة زوايا للحكم على الأمور بمفهوم أشمل وعلم أعم، ولكنه يمكن أن يكون مدفوعاً بعوامل أخرى.. فهل التطرف يمكن أن يكون نتيجة لأزمة خلقتها الأنظمة السياسية؟ أم أن التيارات الفكرية السياسية الطامحة للسلطة هي أساس المشكلة؟ أم هي الثقافة المجتمعية التي تعتمد مفاهيم متشددة وترى في الدين مثلاً أنه آيديولوجيا متشددة في خصام وحرب مع مختلف المفاهيم والقيم الإنسانية المعاصرة؟
2 - المتطرفون قوم ثائرون عنيفون استعدوا العالم كله عليهم، وصار عندهم في كل عرس قرص، ولهم في كل منطقة ساخنة يد، ومنهم في كل قضية ساخنة دولار، وعنهم في كل فكر ساخن رأي، وهم في كل معركة ساخنة وقود.
3 - هل يمكن للمجتمع أن يتسرطن ويقضى عليه التطرف كما يقضي السرطان على الجسد؟ وهل يمكن للخلايا الاجتماعية أن تصاب بالداء الخبيث في تصرفاتها ومفاهيمها وقيمها وتدمرها كما تفعل الخلايا السرطانية بالجسم؟ وهل هناك مظاهر أو تصرفات اجتماعية توحي بمثل هذا التطرف المدمر؟ وهل هناك أدوات وأجهزة للتشخيص المبكر لهذا التطرف؟ أو هناك مراكز للأبحاث الاجتماعية التي يمكن أن تطور العلاجات الاجتماعية اللازمة من أجل مكافحة هذا المرض الخبيث؟
4 - في المجتمعات المغيبة، التي فقدت القدرة على الاحتجاج بسبب الخوف من القمع، يسهل على العامة الاتجاه إلى تدين العجائز البريء الساذج.. وفي ظل المرارة التي يتجرعها فرد تلك المجتمعات يبدو مغرياً الانضمام إلى حزب الكراهية.. وفي غيبة المعرفة نتيجة العزوف عن القراءة بات التسليم بقوى الغيب القادرة على التغيير من دون جهد أو كفاح هو الحالة المهيمنة على الفكر السائد، فتم تسليم المصير إلى المشعوذين والأفاقين وقراصنة الحياة، وازدهرت فضائيات السحر وتفسير الأحلام والسياسة والرياضة والفن الهابط.
5 - الفرد هو اللبنة الأولى في بناء أي مجتمع.. تعلو قيم ذلك المجتمع وثقافته وفكره وتتنوع بعلو قيم الفرد وثقافته وفكره، ويستنير فيه الرأي العام باستنارة مثقفيه ومفكريه ومنظريه وفلاسفته الذين منهم رجال الدين وليس قصراً على رجال الدين دون سواهم.. والتطرف يبدأ من فكر الفرد.
6 - تعرضت بعض المجتمعات في مسيرة نموها وصعودها سلم الحضارة الحديثة للعديد من الصعوبات والعقبات التي قد تؤدي إلى إعاقة النمو، بل قد توقف النمو تماماً في المجتمع لجيل أو جيلين، وقد تؤدي إلى إرجاعه إلى نقطة البداية.. ولكن هذا المجتمع يمكن أن ينعتق من تلك العقبات ويخرج من تلك الأزمة أصلب عوداً وأشد بأساً إذا تهيأت في أبنائه كوادر تملك الرؤية الصحيحة وبالتالي تملك أدوات التشخيص والتخطيط والبناء والحماية والانطلاق.. وهذه الانطلاقة لا تتحقق برؤية فردية ولكن برؤية وجهد جماعيين تسهم فيهما كل القطاعات الحكومية والخاصة والهيئات والمؤسسات والأفراد، وأن تشكل هذه الأهداف مسارها الاجتماعي والفردي بناء على تلك الرؤية.
7 - المعلومة والفكرة والرأي والانطباع والتمني والتوقع والظن والهوى والرغبة والمصلحة.. كلها مؤثرات مهمة على رؤيتنا للأشياء.. والرؤية هي أول خطوات التطرف أو الاعتدال.
8 - يقول الله تعالى في كتابه العزيز «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس»، وحرف اللام في قوله «لتكونوا» يعني أن شهادة أمتنا على سائر الأمم سببها وعلتها كوننا أمة وسطاً.. فإذا انتفت عنا الوسطية انتفت عنا الشهادة على تلك الأمم لأننا فقدنا معيار الاعتدال في الشهادة وهو الوسطية.. فما هي أسباب فقدان هذا المعيار رغم أهميته التي نص عليها القرآن؟
9 - لقد تم شحذ همم عدد من أبناء الأمة من المراهقين بقصص التضحية والفداء في الإسلام خاصة في ظل ما يتعرض له المسلمون في سائر بقاع الأرض من حصار وتضييق.. فوقع في ذهنه أن تفجير نفسه هو انتصار للإسلام والمسلمين، فأقدم على ذلك طلباً للجنة، والأشد من ذلك وطأة أن بعضهم يرى أن القيادات الإسلامية تتواطأ مع الاستعمار وأعداء الإسلام، وأن هذه القيادات لا بد من مقاومتها بكل الوسائل المتاحة المشروعة وغير المشروعة.