سارة الشهري
خلال العقد الأخير، تحولت عبارة الذكاء الاصطناعي من مصطلح تقني متداول بين المبرمجين إلى كلمة يومية على ألسنة الناس في المقاهي، وفي نشرات الأخبار، وحتى في أحاديث العائلة. لكن مع هذا الانتشار، بدأ سؤال يقلق الكثيرين: هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي وظيفتي؟
القلق لم يأت من فراغ. فالذكاء الاصطناعي أصبح قادرا على إنجاز مهام متكررة بسرعة، وبدقة، وبتكلفة أقل بكثير من البشر. مثل إدخال البيانات، الرد على الاستفسارات الروتينية، مراجعة المستندات البسيطة، وحتى كتابة نصوص قصيرة كلها مهام باتت قابلة للأتمتة بضغطة زر. هنالك تقرير للبنك الدولي يتوقع أن تصل نسبة الوظائف المهددة بالأتمتة إلى 40 % عالميًا بحلول 2025، وقد تقفز إلى أكثر من 70 % في بعض الدول، خاصة في الوظائف الإدارية والمكتبية.
ونحن الآن فعلياً بدأنا نلحظ موجة التغيير الإجباري فالمكاتب والإدارات في مختلف القطاعات تواجه تغييرات جذرية حيث بدأ الاعتماد على البرامج الذكية التي يمكنها تنظيم الاجتماعات أو الرد على البريد الإلكتروني، وإعداد التقارير في دقائق. وفي قطاع التقنية، أعلنت شركة TCS في الهند تسريح 12 ألف موظف هذا العام وحده، وسط تحذيرات من اختفاء مئات الآلاف من وظائف تكنولوجيا المعلومات. والتعليم ليس بمنأى عن هذا التغيير، طبعاً لن يتم الاستغناء عن المعلمين، بل عبر تقليص الأعباء الروتينية مثل تصحيح الاختبارات أو إعداد بعض المناهج. أما في المالية والمحاسبة، فالأنظمة الذكية تحلل آلاف الصفحات في ثوانٍ وتنتج تقارير دقيقة دون كلل أو ملل.
طبعاً هذه ليست نهاية الحكاية.. فالتاريخ يخبرنا أن كل ثورة تكنولوجية تنهي وظائف وتوجد أخرى. فالذكاء الاصطناعي يفتح أبوابًا لمهن جديدة مثل: مراقبة جودة إنتاج الأنظمة الذكية، تدريبها على لهجات أو مجالات متخصصة، تصميم حلول ذكية لقطاعات معينة، وحتى العمل كخبراء في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وغيرها الكثير في كل القطاعات.
وهنا يكمن التحدي الحقيقي في سرعة التكيف فالخطر الأكبر ليس في فقدان الوظيفة، بل في العجز عن إعادة التأهيل بالسرعة المطلوبة. إذن المطلوب هو مزيج من مهارات تقنية أساسية (مثل التعامل مع أدوات التحليل أو الأتمتة) ومهارات إنسانية أصيلة (التفكير النقدي، الإبداع، الإقناع). عندها نستطيع أن نقول إن الفائز في سباق المستقبل هو من يستطيع جعل الآلة أداة بيده، لا سيدًا عليه.
الذكاء الاصطناعي لن يمحو سوق العمل، لكنه سيعيد تشكيله بالكامل. من يظل أسير مهارات الأمس قد يجد نفسه خارج السباق، ومن يتطور باستمرار سيكون جزءًا من صناعة الغد، لا ضحية لها.