د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تحمل الثقافة رِكازَ العمق الوطني الممتد من خلال الذاكرة التي تُستعادُ فتعودُ كلما أضاءت! وتستحق الثقافة بمفهومها الشامل أن تُحمل فوق الهوادج الفاخرة حيث يطرب الذهن للقديم منها وحصاد السنين وعبقها ويتلذذ بتاريخها كما تلذُّ الأعين بالمنتج الحديث زهوا ويقينا بسنّة التغيير وشغفا بالإبداع الذهني الذي علا واعتلى؛ ومع ذلك الخصب المتعدد للثقافات هنالك اليوم حضور جديد مختلف للثقافة في بلادنا في مواكبها الجديدة فاحتضان البدايات المنزوية هو حتما َطاقات من الضوء تشرق فتمتزج فتقترب؛ حيث بدايات المسير المحفز المنعش في المشهد الثقافي الوطني؛ ولأن الاحتفاءات بالمنجز الثقافي الوطني حملته وزارة الثقافة صديقتنا العملاقة المتوشحة بكل تجلياتها لكل منجز إبداعي وصاغت لإنجازه استراتيجية تتحدث عن نفسها من خلال الهيئات الثقافية الوليدة التي تبارت في حصاد الأذهان وجمال النواتج ببرامج وخطط مقدرة موجهة لمراكب الثقافة السعودية وللعقول العربية السعودية المبدعة وذلكم
النتاج الثقافي يلزمه استحداث مرجعية تقويمية رسمية لتحقيق التواصل المثمر بين المنجز الثقافي والجمهور، ولمَّا أن وزارة الثقافة تنشد في حراكها كل جميل ومجزٍ ومقنع؛ فإن الخيار الاستراتيجي الأجدى هو دعم الحِراك الثقافي الذي غمر فيضه السهل والجبل بهيئة صديقة للهيئات الثقافية القائمة لتكون مصدر تقويم وتقييم، فلربما تحتاج بعض تلك الهيئات الثقافية لبانوراما تشغيلية مختلفة وتظاهرة وطنية سنوية تتنافس فيها الإبداعات الثقافية، ويلتقي فيها المبدعون والمفكرون محليا وعالميا في المجال المستهدف هنا في بلادنا الغالية وحتما إذا لم نشرق هنا فلن نشرق هناك! ولا يخفى على المتخصصين في التخطيط التنموي الحضاري أن تمكين الكيانات المستحدثة يلزمه هوية متينة تتشكل من المتخصصين والخبرات المحلية والعالمية الناجحة السابقة وذلكم يجلب التفاؤل بإذن الله بمستقبل مشرق للثقافة السعودية،
ونستشرف بإذن الله من وزارة الثقافة الموقرة حضورا تقويميا دقيقا مستقلا (حوكمة)! فبلادنا اليوم تتجه لصناعة ثقافة مستقبلية داعمة لجوانب التنمية البشرية فالمناخ الذي صنعته الرؤية السعودية المحفزة 2030 صديق وفيٌّ جديد مغدق، وفي واقعنا اليوم نلتقط الإيجابيات في منصات الثقافات القائمة؛ ولكننا نبحث أيضا عمن يكفل لنا وفرة ثقافية ممكنة للتفكر الإبداعي في كل فن؛ وأحسبهم كثير تحتشد بهم الزوايا العامة والخاصة ويحتاجون لانتظام صفوفهم من جديد وتفجير الإمكانات العقلية السعودية ذات السياقات الثقافية لتتناسب مع التحولات ولتكون مؤثرة وذات نسيج مقنع، ويكون الاهتمام الأعلى هو تنمية ثقافة الابتكار الثقافي في كل الأصناف المنتمية له تتصدرها الفنون والآداب ذات الجماليات الواضحة وأن تهتم الهيئات الثقافية بصناعة الشغف من خلال منتجات الفنون والآداب، وقد يُفضي ذلك إلى تنصيب الفنون والآداب حكما على جودة الحياة؛ ويسعدنا ذلك الالتفات الجدير للاحتراف كمطلب لمن يقف على إدارة فنون الثقافة لكونها أصداء حية لحياة الناس فكل حضور ثقافي تُشرَعُ من خلاله نافذة ضوء! وتلك حزم من دروب شتى متاحة لوزارة الثقافة لتلبي احتياجا أزليا لحياة العقول في مجتمعاتنا السعودية المتحضرة؛ ولتكون صناعة الفنون الثقافية ممارسة تلقائية تؤسس لبناء الرأي السليم؛ فالثقافة وإن كانت مكتسبات فردية فهي دعائم مجتمعية لتحفيز الفكر وذخائر مفضلة بدرجة عالية في مراحل الزمن المختلفة إذا ما صفت مواردها الثقافية التي يُراد منها الانسجام مع التحولات وحيازة أكبر قدر من الثقافات.
بوح الختام
«للنقد في ذهن المثقف صورة
نفس مهذبة وفكر طيّع»