م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - لا شك أن الإسلام هو دين العقل، حيث يعتمده وسيلة للإقناع ومناطاً للتكليف في العبادات.. وتكثر في القرآن عبارات مثل {أَفَلَا يَعْقِلُونَ}، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ}، {أَفَلَا يَنظُرُونَ}.. ويسوق القرآن من أمثلة الاستدلال العقلي على وجود الله ما يجعل العقل غاية في الأهمية في الخطاب الإسلامي.
2 - عندما عمَّ الجهل وساد النقل وألغي العقل، أصبح لكل قوم فقيه لا يقوى على إعمال عقله وإنما توقفت قدرته عند نقل الأحكام من السابقين، فأصبح حتماً على تلك المجتمعات الجاهلة أن تنتظر ما يقول فقيهها في كل كبيرة وصغيرة.. فيخاطب بقوله عواطف هؤلاء الأميين التي كانت تتأجج انتصاراً لدين الله، فانزوى العقل في ركن بعيد، وأصبحت العواطف الجياشة معياراً للحكم على الأشياء.. وقد توارثنا هذه الآفة وأصبحنا جميعاً أسرى مشاعرنا التي يستطيع أن يؤججها نصف متعلم يجيد الكلام.
3 - ونظراً لكون الخطاب الإسلامي في المجتمعات الإسلامية خطاب عاطفة فإن آفته تأتي دائماً من أحد مصادر ثلاثة.. الأول: المصدر الخارجي ويكون غالباً رغبة أحد المجتمعات الأخرى في أن تجد لها مكاناً أو موقعاً فعَّالاً داخل ذلك المجتمع.. أما المصدر الثاني: فهو المصدر الداخلي وغالباً ما يكون رغبة من جماعة عرقية أو فكرية أو حتى قبلية في السيطرة على مُقَدَّرات المجتمع الذي أوهنته القرارات العاطفية التي قادته إلى أن يكون ضحية جاهزة.. أما المصدر الثالث: فتكون آفته منه ذاته، فالحافز الذاتي لنشوء خطاب التطرف غالباً ما تكون دوافعه الوقوع في المتناقضات وازدواجية المعايير التي تجعل الفرد لا يثق في قياداته الدينية أو السياسية.
4 - خطاب التطرف يريد أن يضع نفسه وسيطاً معرفياً وليس دينياً فقط بين المجتمع وفهم التيارات الفكرية المختلفة كالليبرالية والعلمانية وغيرها، وأن يُطْرح كحل شامل لكل مشاكل المجتمع.. فالخطاب المتطرف يرى في نفسه علوية لا يصل إليها أي تيار آخر، ويرى في نفسه القدرة على التفوق على كل المحاولات الفكرية الأخرى دون أن يكون لديه وسائل لتحقيق ذلك التفوق سوى التشنج والشدة، وفرض رأيه بالقهر.
5 - يعتمد التطرف في خطابه على عنصرين أساسيين؛ العنف والجهل، وكل منهما يحفز الآخر في نفس المتطرف.. فلأنه يملك الحقيقة المطلقة كما يرى نفسه فإنه يستطيع أن يختصر أحداث الزمان فيقتل ويدمر حتى يقيم البناء الذي يريد فوق تلك الجثث وهذا الدمار.. أيضاً خطاب التطرف يمكن أن يكون عشائرياً أو عرقياً أو منطقياً أو مذهبياً وليس دينياً فقط، وهو ينشأ دائماً من الجهل، الجهل بالذات وبالآخر وبالمحيط وبالحالة القائمة وبالواقع المعاش.
6 - وقوف المتطرفين ضد التنوير والنهوض وكل المفردات الحضارية، لن يمنع المجتمع من الوصول لغايته إذا كانت لديه رغبة الارتقاء، وما نتيجة وقوفهم ضدها سوى التأخير والتأجيل، وهذا ضرر بالغ وخسارة حضارية شنيعة، لا يعيها المتطرفون لجهلهم.. ولكن القراءة المتعقلة لحوادث التاريخ تؤكد أنهم مجرد عارض في حياة الأمم قد يؤخر تقدمها وما يلبث أن ينقشع.
7 - خطاب التطرف يركز على التحريض والتأليب ضد المختلفين والتحفيز لمواجهتهم، واجترار الماضي كدافع للاحتراز منهم، ولا يرى ذلك الخطاب العالم إلا من زاوية الضلال والفساد والعداوة.
8 - خطاب المتطرف لا يدور إلا عن القتل والتدمير والتأليب، وإحياء خصومات الماضي وثاراته، ويتعامل مع المختلف بلغة الشدة والغلظة والفظاظة والتجهم في وجهه، وتحويل الاختلافات في المسائل أو المشاكل الفرعية الثانوية إلى أمور جوهرية لا يحلها إلا القطيعة والخصام.