سارة الشهري
بالأمس، مررتُ كعادتي لشراء قهوتي الصباحية، فإذا بي أمام طابور طويل لم أعهده من قبل. للوهلة الأولى اعتقدت أن هناك عرضًا أو تخفيضًا مغريًا، لكن المفاجأة كانت أن الناس يصطفون فقط للحصول على كوب القهوة باللون الجديد. لم يكن الكوب مميزًا في مادته أو حجمه، لكن حضوره على صفحات المؤثّرين في (إنستغرام) و(تيك توك) جعله يتحول إلى (هَبّة) عابرة لا بد من اللحاق بها. عندها، تذكرت المفهوم النفسي المعروف بـ تأثير القطيع، حين يتبنى الفرد سلوكًا معينًا فقط لأنه شائع بين الآخرين.
اليوم، لم تعد رغباتنا تُصنع في دواخلنا، بل على شاشات هواتفنا. المؤثّرون أصبحوا بمثابة قادة رأي جدد، يملكون القدرة على تحويل منتج بسيط إلى أيقونة اجتماعية. صورة واحدة، أو مقطع قصير، كفيل بأن يخلق موجة واسعة من التقليد، حيث يسعى الناس إلى اقتناء الشيء ذاته بدافع الانتماء والقبول، لا بدافع الحاجة. ومن دمية (لابوبو) إلى الأكواب الملوّنة، تتكرر القصة ذاتها: شيء عادي يتحول فجأة إلى رمز للجماعة.
من الناحية النفسية، تعتمد الظاهرة على مبدأ التعزيز الاجتماعي. كل إعجاب أو تعليق على منشور أحد المؤثّرين يُترجم في عقل المتابع على أنه إشارة بأن هذا السلوك مرغوب. ومع تكرار المشهد في أكثر من حساب، يصبح من الصعب التمييز بين ما نحتاجه فعلاً وما هو مجرد موجة عابرة. الأفراد الذين يفتقرون إلى شعور بالانتماء أو يعيشون فراغًا داخليًا، هم الأكثر عرضة للانجراف، إذ يجدون في التقليد وسيلة سريعة للشعور بأنهم جزء من جماعة أكبر.
وسائل التواصل الاجتماعي ضاعفت هذه الظاهرة بشكل غير مسبوق. فهي لا تعكس الواقع فقط، بل تُضخّم الاتجاهات وتعيد إنتاجها عبر التكرار المستمر. صورة واحدة لكوب قهوة مع أحد المؤثّرين قد تتحول خلال أيام إلى طوابير في عشرات الفروع، ليس لأن المنتج فريد، بل لأن (الجميع) يملكه. إنها صورة مثالية لكيفية عمل عدوى الأفكار والسلوكيات في زمن الإعلام الرقمي.
إن ما رأيته في المقهى لم يكن مجرد مشهد عابر، بل مثال حي على كيف تُصنع رغباتنا وتُدار قراراتنا دون أن نشعر. لسنا بحاجة إلى مطاردة كل (ترند)، ولا إلى تقليد كل ما يفعله الآخرون.
ما نحتاجه فعلاً هو أن نتوقف لحظة، ونسأل أنفسنا: هل نشتري ما نريد حقًا، أم ما يريده لنا المؤثّرون؟
فالتفكير النقدي والاختيار الواعي هما خط الدفاع الأخير في مواجهة (جنون القطيع) الذي تصنعه السوشيال ميديا يومًا بعد يوم.