لوحة مستوحاة من قصيدة صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد المحسن -رحمه الله-، في هذه اللوحة المليئة بالدلالات، استطاعت الفنانة أن تأخذنا إلى جوهر التغذية البصرية تستوحي فيها روح قصيدة الشاعر الكبير بدر بن عبد المحسن «المحبّة أرض»، حيث تحوّلت أبيات الشعر إلى صورة نتنفس منها صدق الإحساس، وتشعل تفكيرنا برمزية كل عنصر فيها. ويُصبح اللون والخط والفراغ لغة موازية للكلمة الشعرية.
من أول نظرة، تُلفت الانتباه العين المرسومة في اللوحة. لم يكن اختيار رسم عين واحدة وتغطية الأخرى بشعر ينساب على نصف الوجه أمرًا عشوائيًا، بل جاء محمّلًا بدلالة عاطفية عميقة؛ فالعين هنا تمثّل لغة التواصل العاطفي بين العاشق والمعشوق، ولكن الفنانة اختارت عين مغمضة حتى تصنع لحظة الحيرة التي وقع فيها الشاعر وهي أيضا تُجسّد في الوقت ذاته نظرة الشاعر للقاء ينشده رغم الغياب. هي عين تفيض بالشوق، وتختزل في مضمونها كل تفاصيل الحنين، وكأن الفنانة أرادت أن تقول إن العين وحدها قادرة على اختزال كم من كلمات الحب، وألف دمعة من الفقد.
الحلم والغموض والرقي هي معان قرأناها من خلال اللون البنفسجي الذي يطغى على أجزاء كبيرة من اللوحة. هذا اللون لم يكن مجرد إضفاء جمالي أو انتقال فجائي للون، بل كان توظيفاً موفقاً للجو العاطفي الذي يسكن القصيدة. البنفسجي، بلونه الوسيط بين الدفء والبرودة، يعبّر عن علاقة مملوءة بالأحلام، لكنها محاطة بضباب الغموض، تمامًا كما وصف الشاعر اللقاءات النادرة أو المستحيلة مع الحبيبة فعبرت عن الفراق والحزن بالسواد الذي لبد أجواء اللوحة، والسواد أتى ليرمز للفراق المفروض والليالي الطويلة التي يقضيها العاشق في وحدته، حائرًا بين الشوق والخوف من المجهول.
لكن البنفسجي نجح في التخفيف من قتامة السواد، ليُعطي الأمل بوجود مساحات من الجمال والحلم داخل الألم.
ومن الرمزية البارزة أيضًا خصلات الشعر البيضاء، التي لم تأتِ كمجرد إضافة لونية، بل كرمزٍ مركب يفتح باب التساؤل والتأويل فهي تُشير من جهة إلى طول المدة التي مضت على هذا الحب، ما يوحي بقدم العلاقة وعمقها، كما أنها ترمز إلى نقاء المشاعر وصدقها، وربما إلى الشوق الذي لا يهرم مهما امتد الزمن. واللون الأبيض لون الوفاء، والانتظار الصامت، .
وتأتي الأغصان المتشابكة في اللوحة كرمز لتلاقي الأرواح، وتُشير إلى التشابك العاطفي الذي يربط الأحبة رغم البعد والمسافة.
إنها رمز الحياة الممتدة، والنمو رغم الصعاب، والأغصان ترمز الى التجدد كما هو الشوق للحبيب الباحث عن وسيلة للبقاء والاتصال.
وقد وفّقت الفنانة في ربط العناصر التشكيلية بمضمون القصيدة، فمزجت بين الرمزية البصرية والصور والإيحاءات الشعرية بأسلوب راقٍ، منح اللوحة بعدًا تأمليًا يتجاوز الجمال السطحي. لم تكتفِ بنقل الفكرة، بل أعادت إنتاجها برؤية تشكيلية تعبّر عن فهم عميق لمضمون القصيدة وروحها.
إن لوحة «المحبّة أرض» لا يمكن النظر إليها بوصفها لوحة زيتية فحسب، بل هي تجسيد بصري لتجربة إنسانية قائمة على الشوق، والحنين، والوفاء، والفقد، والوقوف في وجه الصعوبات التي تحول دون اكتمال الحلم. وكما أن قصيدة بدر بن عبد المحسن لا تعبر عن الحب بشكل مباشر بل تهمس به، فإن هذه اللوحة أيضًا لا تصرخ بالمشاعر، بل تهمس بها إلى المتلقي، وتدعوه للتأمل والتفكير والتفاعل معها على مستوى وجداني عميق.
** **
- كتبته: الفنانة مها الكافي