هادي بن شرجاب المحامض
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتحت قيادة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، تعيش المملكة نهضة شاملة لا تستثني منطقة ولا قرية، رؤية واضحة جعلت التنمية واقعاً ملموساً في كل المجالات، وفتحت الطريق أمام المواطنين ليكونوا شركاء في صناعة المستقبل. هذه الرؤية التي وضعت الإنسان والمكان في قلب أهدافها، هي ما يجعل أهالي نجران على يقين أن زيارتكم للمنطقة لن تكون بروتوكولية بل محطة عملية لفتح ملفات تمس حياتهم اليومية وتستحق حلولاً عاجلة.
أول ما يبرز أمام المواطن هو ملف المياه، حيث لا تزال الصهاريج الخيار المكلف الذي يثقل كاهل الأهالي، فيما شبكات التوزيع القائمة لم تعد تكفي ولا تصل إلى كل الأحياء والقرى. نجران تحتاج إلى توسع فعلي في مشاريع التحلية وخطوط النقل، تشغيل وصيانة السدود بكفاءة أكبر، وضبط فوضى الآبار العشوائية التي تستنزف المخزون الجوفي.
الزراعة في نجران: ليست مجرد مهنة بل هوية متجذرة. الأرض خصبة، والمنتجات متنوعة، لكن المزارع يفتقر إلى منظومة متكاملة تربطه بالسوق. المطلوب اليوم مراكز تسويق حديثة للتمور والفواكه والعسل، قروض ميسرة وتقنيات ري حديثة، ومراكز تدريب وإرشاد تنقل الزراعة من الأسلوب التقليدي إلى مستوى استثماري يتوافق مع طموحات رؤية 2030.
أما البيئة: فقد أصبحت قضية ملحة. الغطاء النباتي يتراجع بسبب الرعي الجائر والاحتطاب، والنتيجة تدهور في التوازن الطبيعي. الحاجة إلى مشاريع تشجير واسعة، تعزيز المحميات الطبيعية، تفعيل أنظمة رقابية صارمة، وإشراك المجتمع في برامج توعية عملية تحمي بيئة نجران وتعيد إليها جمالها الأخضر.
التنمية الريفية: بدورها ركيزة أساسية، فالقرى المحيطة تحمل فرصاً اقتصادية غير مستغلة، ودعم مشاريع الأسر المنتجة، تطوير تربية الماشية، وتوفير بنية تحتية زراعية حديثة يمكن أن يحولها إلى رافعة اقتصادية واجتماعية، ويحد من النزوح إلى المدن.
وملف إدارة الموارد لا يقل أهمية، إذ يتطلب خططاً استراتيجية لحماية المياه الجوفية، واستثماراً في تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد الاستهلاك وإدارة التوزيع بكفاءة، بجانب شراكات مع الجامعات ومراكز الأبحاث لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات الزراعية والبيئية.
نجران اليوم تواجه تحديات كبيرة، لكن من المهم أن نتذكر تاريخها الزاهر قبل أكثر من ثلاثين عاماً، حين كانت تصدر منتجات الحمضيات إلى خارج الحدود، وكانت منطقة زراعية بالدرجة الأولى. في ذلك الوقت كانت الأراضي الزراعية توزع على المواطنين بشكل مباشر، ما منح كل أسرة فرصة إنتاجية واقتصادية. أما اليوم، فقد انتقلت ملكية هذه المزارع إلى الأحفاد، وبدأت تظهر المشاكل الأسرية في تقسيمها، حتى أصبحت المحاكم الشرعية تشهد نزاعات بين الورثة. كثير من هذه الأراضي تحولت إلى سكنية بسبب جفاف المياه، وأصبحت المزارع عاجزة عن تلبية احتياجات سكان نجران أنفسهم.
في هذا السياق، تتضح الحاجة الملحة اليوم لتحويل الصكوك الزراعية المتعطلة إلى صكوك سكنية، لتوفير مساكن للمواطنين وتخفيف الضغط على المدن، مع الحفاظ على إدارة ذكية لموارد المياه المتبقية. فالحل هنا ليس فقط في حماية الزراعة، بل في إعادة تنظيم الأراضي بما يتماشى مع الواقع الجديد ويخدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
إن هذه المطالب ليست ترفاً، بل هي جوهر الحياة اليومية لأبناء نجران. والمجتمع هنا يتطلع أن تتحول زيارة معالي الوزير إلى نقطة تحول، وأن تثمر قرارات تنعكس سريعاً على حياة الناس. نجران تستحق أن تكون نموذجاً وطنياً في الإدارة الذكية للموارد وفي الزراعة المستدامة، والفرصة اليوم بأيديكم يا معالي الوزير، لتكونوا جزءاً من مسيرة يقودها خادم الحرمين الشريفين ويترجمها الأمير محمد بن سلمان ببرامج ورؤية جعلت المملكة محط أنظار العالم.