«الجزيرة» - الرياضة:
تخطو المملكة بثقة نحو صناعة مستقبل جديد، تجعل فيه من الابتكار والاقتصاد الرقمي والرياضة التفاعلية رافعات رئيسية لرؤيتها التنموية، لتؤكد للعالم أن التحولات الكبرى التي تشهدها لم تعد محصورة في الداخل، بل غدت واقعًا ملموسًا يعيد رسم موقعها على الخريطة الدولية، فاليوم لم تعد الرياض مجرد عاصمة سياسية واقتصادية، بل تحولت إلى منصة عالمية يلتقي فيها البشر من مختلف القارات تحت مظلة الرياضات الإلكترونية والألعاب الرقمية، بما يعكس بوضوح حجم التغيير الذي صنعته المملكة على المستويين البنيوي والفكري في العقد الأخير.
هذا التحول تجلى بأبهى صورة في استضافة النسخة الثانية من كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025، التي احتضنتها العاصمة الرياض لمدة (7) أسابيع، لتضع المملكة في صدارة المشهد العالمي كحاضنة للابتكار ومركز لإنتاج الصناعات الإبداعية، البطولة لم تكن مجرد منافسة بين أندية ولاعبين، بل شكلت نقطة التقاء لأكثر من مئة دولة، بما يقارب ألفي لاعب محترف ينتمون إلى مئتي ناد عالمي، تنافسوا في (25) بطولة شملت (24) لعبة إلكترونية، بجوائز قياسية تجاوزت (70) مليون دولار، في مشهد أعاد تعريف مفهوم البطولة العالمية.
ويترجم هذا الحدث دور المملكة الريادي في تعزيز الحوار الحضاري والتقارب الإنساني عبر الرياضة، فقد اجتمع على أرض الرياض لاعبون ومشجعون من عشرات الثقافات واللغات والبيئات، ليشكّلوا لوحة حضارية واحدة تجسد الرؤية السعودية القائمة على بناء جسور التفاهم لا حواجز الانقسام.
وفي البعد الثقافي، انعكس في المزج بين الهوية السعودية العريقة والحداثة الرقمية التي جسدتها البطولة، والزوار لم يأتوا فقط لمتابعة المنافسات، بل وجدوا أنفسهم أمام تجربة متكاملة تستعرض التنوع الثقافي للمملكة من خلال فعاليات مصاحبة تجاوزت (32) فعالية ترفيهية وثقافية، مزجت بين الفنون الشعبية والعروض الحديثة، لتمنح الحضور تجربة ثرية تنقلك من صخب المنافسة الرقمية إلى عمق الموروث الحضاري المحلي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن البطولة مثلت نموذجًا متقدمًا لما يمكن أن تصنعه الرياضات الإلكترونية من قيمة مضافة، هذا القطاع الذي يتجاوز حجمه اليوم (200) مليار دولار عالميًا بمعدل نمو سنوي يبلغ (9 %)، وجد في المملكة أرضًا خصبة للنمو، إذ تعمل أكثر من (250) شركة محلية متخصصة في الألعاب والرياضات الإلكترونية، إلى جانب الاستثمارات المتزايدة في البنية التحتية والأجهزة، وهو ما انعكس على الطلب المتصاعد في السوق المحلي، وشكّلت البطولة فرصة ضخمة لاستقطاب الاستثمارات والشركات العالمية، التي رأت في المملكة بيئة جاذبة تتكامل فيها الإمكانات الاقتصادية مع الرؤية الإستراتيجية.
وفي البعد السياحي، فقد استقبلت العاصمة الرياض آلاف الزوار من مختلف أنحاء العالم خلال فترة البطولة، مما عزز الحركة السياحية ورفع نسبة الإشغال الفندقي وزاد من زوار المدينة بما يتجاوز (29 %) مقارنة بالعام الماضي، هؤلاء الزوار لم يقتصروا على متابعة المنافسات فحسب، بل انخرطوا في تجربة شاملة استكشافية لوجهات الرياض ومختلف مناطق المملكة، ما عزَّز صورة المملكة كوجهة سياحية متكاملة قادرة على الدمج بين الرياضة والترفيه والثقافة.