سارة الشهري
سمعنا مؤخرًا في إحدى الليالي الصيفية الماضية عن إعلان لإقامة حفل غنائي كبير لإحدى المطربات وضجتَ مواقع التواصل الاجتماعي بالسؤال: أين سيُقام الحفل؟ وأين تُباع التذاكر؟ والمفاجأة لم تكن في مكان الحفل، بل في المنصة التي احتضنته: لعبة روبلكس! نعم يا سادة، عالم افتراضي أصبح ينافس الواقع، حتى بات يُقيم فيه اللاعبون (الذين يكون غالبيتهم من الأطفال والمراهقين)حفلاتهم للفنانين أو الفرق الغنائية التي يحبونها داخل اللعبة ويقضون فيه ساعات طوالاً كما لو كان جزءًا من حياتهم اليومية.
لكن مع هذه الصورة اللامعة للعبة تخفي وراءها مشاهد أكثر قسوة. فلم تمضِ فترة طويلة منذ سمعنا بالحفلات الروبلكسية حتى وصلنا خبر مأساوي عن طفل قطري فقد حياته التي لم تتجاوز 12 ربيعاً خلال تحدٍ مباشر مع أشخاص أجانب داخل اللعبة ذاتها. وقبل ذلك بأشهر تواترت الأخبار من الولايات المتحدة وأوروبا وشرق آسيا عن قصص مشابهة، يندى لها الجبين، كان ضحاياها أطفالاً وجدوا أنفسهم في مواجهة استغلال أو مخاطر نفسية لا طاقة لهم بها. عندها لم يعد السؤال: أين تُباع التذاكر؟ بل أصبح: من يحمي أطفالنا من هذه العوالم الافتراضية؟
روبلكس ليست مجرد لعبة، هي أشبه بورشة رقمية ضخمة، بمدن كاملة تُبنى بالخيال. تمنح الطفل فرصة أن يكون مبرمجًا أو مصممًا، يصنع عوالمه ويشاركها مع الآخرين. وفيها أيضًا اقتصاد داخلي قائم على عملة الروبوكس، يمكن تحويلها إلى أموال حقيقية عبر برامج رسمية. لذلك لم يكن غريبًا أن تُطلق عليها الصحافة الغربية لقب (مصنع المراهقين المليونيرات).
لكن وسط هذا الانبهار، تبرز المخاطر. تقارير موثوقة، منها ما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، أشارت إلى أن روبلكس قد تحتوي على محتوى غير مناسب للأطفال، إلى جانب إمكانية تواصلهم مع غرباء. وحادثة استدراج طفلة في العاشرة مقابل عملات افتراضية في الولايات المتحدة هذا العام ليست إلا جرس إنذار مدوٍ. ولهذا لم تتردد بعض الدول في اتخاذ إجراءات حازمة ضد اللعبة، فقطر حظرت اللعبة بشكل كامل بعد الحادث المأساوي للطفل، وسبقتها في ذلك عُمان، والكويت والأردن أوقفت الخدمة عام 2021، والصين أغلقتها عام 2022، وتركيا وكوريا، بينما واصلت السعودية والإمارات إصدار تحذيرات واضحة للأهالي، ونتوقَّع حظرها قريباً.
السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا؟ الحقيقة أن الحظر وحده لا يكفي، والمنع الكامل قد يزيد فضول الطفل بدل أن يحميه. ولو أغلقت منصة سيفتح غيرها. إذن المطلوب هو مرافقة واعية. أولاً: جرِّب اللعبة مع ابنك، اجلس بجواره، وافهم ما يعيشه. ثانيًا: استفد من أدوات الرقابة الأبوية التي توفرها المنصة. ثالثًا: والأهم، علِّم ابنك أن خلف كل شخصية افتراضية إنساناً حقيقياً قد تكون نواياه سيئة، فلا بيانات تُشارك ولا صور تُرسل مهما كانت الإغراءات.
روبلكس في جوهرها مدينة مثل أي مدينة كبرى: فيها متنزهات ومدارس ومراكز تسوّق، لكنها أيضًا تحتوي أزقة مظلمة. الطفل الذي يتجول وحده فيها معرَّض للضياع، بينما الطفل الذي يسير وفي يده يد راشد، يمكنه أن يكتشف الجمال ويتعلَّم ويبدع بأمان.