إعداد - عبدالله عبدالرحمن الخفاجي:
لماذا ننجذب تلقائيًا إلى جدارية ملونة في شارع مزدحم، أو لماذا تمنحنا لوحة صغيرة في ركن منزلنا شعورًا بالسكينة؟ ولماذا نميل إلى الجلوس في مقهى يعتني بتصميم جدرانه وألوانه أكثر من آخر بلا روح؟
الإجابة تكمن في بساطة الحضور الخفي للفن التشكيلي في حياتنا اليومية.
الفن ليس حكرًا على قاعات العرض والمتاحف، بل يعيش بيننا في تفاصيل صغيرة قد لا ننتبه إليها. من واجهة متجر صُممت بعناية، إلى ملصق إعلاني بأسلوب جمالي، إلى قطعة أثاث تحولت من مجرد أداة عملية إلى عمل فني في بيتنا. كلها لمسات تذكّرنا أن الفن التشكيلي لا ينفصل عن الحياة، بل يمنحها بُعدًا آخر من الجمال والمعنى.
بين الجمال والوظيفة
قد نطرح سؤالًا: ما الفائدة من الفن وسط زحام الحياة ومتطلباتها العملية؟
الجواب أن الفن ليس مجرد «زينة»، بل لغة تفتح حوارًا بين الإنسان ومحيطه. حين تدخل مكتبة وتُبهرك الرسومات على أغلفة الكتب، أو تمر في شارع تتحول جدرانه إلى لوحات مفتوحة للجميع، فأنت تعيش تجربة جمالية تغيّر يومك، ولو للحظات. تلك اللحظات الصغيرة هي ما ينسج خيوط علاقة الإنسان بالجمال.
الفن والتنمية المستدامة
وهنا يتجاوز الفن دوره الجمالي ليصبح جزءًا من قضايا أكبر.
* أليست الجداريات في المدن وسيلة لتجميل الفضاء العام وتحويله إلى مساحة مشتركة تعزز الهوية والذاكرة الجماعية؟ هذا ما يتقاطع مع الهدف 11: مدن ومجتمعات محلية مستدامة.
* ألا يسهم تعليم مهارات الرسم والتذوق الفني في بناء جيل أكثر ابتكارًا وقدرة على التعبير؟ هنا يلتقي الفن مع الهدف 4: التعليم الجيد.
* وعندما يكون الفن متاحًا للجميع في الشوارع والميادين، بدل أن يُحصر داخل قاعات نخبوية، ألا يعني ذلك تقليص فجوة اللامساواة وتحقيق جزء من الهدف 10؟
إذن، الفن ليس رفاهية. إنه أداة لبناء مدن أكثر إنسانية، ومجتمعات أكثر شمولًا، وتعليم أكثر ثراءً.
الفن كلغة يومية
تأمل كوب القهوة بين يديك.. هل هو مجرد أداة عملية، أم أنه قطعة صغيرة من تصميم فني يضفي متعة على طقسك الصباحي؟ انظر من نافذتك: هل ترى منظرًا عاديًا، أم إطارًا طبيعيًا يتغير كل صباح ليمنحك لوحة متجددة؟
الفن موجود في هذه اللحظات العادية، يرافقنا كظلّ ناعم يذكّرنا بأن الحياة ليست أرقامًا ومهام فقط، بل أيضًا ألوان وإحساس ومعنى.
أسئلة تفتح الأفق
* ماذا لو كان لكل حي جدارية تعبّر عن قصص أهله؟
* ماذا لو تحوّلت المدارس إلى ورش إبداعية ترى في الرسم واللون لغة مثل الرياضيات والعلوم؟
* ماذا لو أصبحت المدن أكثر احتفاءً بالفن، بحيث يشعر كل ساكن أنه شريك في لوحة جماعية كبرى؟
الفن التشكيلي في تفاصيل الحياة اليومية ليس ترفًا، بل حق وضرورة. إنه يدعونا إلى إعادة النظر في محيطنا، في الأشياء التي نراها «عادية»، لنكتشف أنها تحمل بذور الدهشة والإلهام. وفي عالم يتسارع بخطى التكنولوجيا والاستهلاك، يبقى الفن مساحة للتوازن، يذكّرنا أن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده، بل بالجمال أيضًا.
** **
تويتر: AL_KHAFAJII