م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - التطرف هو أن تحب حباً جماً أو أن تكره كرهاً شديداً.. أن تحب فهذا أمر خاص، وهو من زواياه الشخصية إيجابي، وقد يكون نافعاً نفسياً للمتطرف في حبه مع خطورة أن ينقلب إلى ضرر في حالة خيبة الأمل من المحبوب، لكنه على كل حال يظل أمراً شخصياً غير متعدٍ.. بينما التطرف في الكراهية هو الأمر المذموم لأنه ضرر كله، حيث تكون الأذية للنفس وللمكروه، لأن المتطرف في الكراهية ربما تفور وتطيش كراهيته فتصل إلى كل من له صلة بالمكروه، أو قد تصل بالكاره إلى حد أذية المكروه ومن له صلة به، وهنا يصبح الأمر متعدياً، ويعد جناية نظامية يعاقب عليها القانون.
2 - المتطرف في حبه ينظر إلى مسببات تطرفه، وهي من زاوية شخصية أمور مضيئة خيرة محببة، والمتطرف في كرهه ينظر إلى مسببات تطرفه في كراهيته وهي حتماً مسببات تثير غيظه فهي أمور سوداء في نظر الكاره تستدعي كراهيته، وفي كلتا الحالتين يصح فيهم قول الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا
وبقدر ما أن التطرف مؤذٍ على المستوى الفردي والجماعي إلا أنه على المستوى الفردي يعد قضية شخصية، أما على المستوى الجماعي فهو يتحول إلى قضية عنصرية.
3 - مشكلة المتطرف أنه انتقائي فلا يرى ولا يسمع سوى السيئ، ويتشبع تاريخياً بالخلافات السابقة لكنه لا يلقي بالاً للعلاقات الإيجابية السابقة.. ولأنه متطرف بطبعه فإن حكمه على الأمور والأحداث والأشياء والقضايا والأشخاص يكون حكماً متطرفاً.. وتجده منشغلاً نفسياً وعقلياً بالبحث عن كل ما يؤيد ويؤكد تطرفه، وكأنه يريد أن يبرر لنفسه لماذا هو متطرف، لذلك سوف تجده يحتفظ بكل المقولات والآراء والأفكار المتطرفة ضد من يتطرف في كرههم حتى يعزِّز قناعاته ويزيد من تمسكه بتطرفه.
4 - المتطرف ليس لديه حلول وسطى، بل حلول متطرفة، حلول استئصالية اجتثاثية إقصائية، حلول تعتمد على القوة والعنف، تلك الحلول المتطرفة هي في أصلها حلول انفعالية مصدرها نفسي وليس واقعياً، فلا مبرر لذلك التطرف سوى أمراض في النفس، وإلا على أرض الواقع لم يحصل ذلك الذي يوجب التطرف في الحكم.. فالمتطرف في واقع حاله شخص متوسط الذكاء قليل التعليم ضحل الثقافة سطحي الإدراك، لكن تفور في نفسه فورات غضب تجاه المختلف لا يدري سببها، ويفرح إذا وجد السبب حتى يُخرجها من صدره ويؤذي بها الآخرين.
5 - التطرف ليس حالة عقلية ولا معرفية، بل حالة نفسية أولاً وثانياً.. وإذا كانت الفضيلة وسط بين رذيلتين فإن التطرف رذيلة مكتملة الأركان، في كل حالاتها وصفاتها وأوضاعها وأشكالها ومواقفها، حالة بعيدة عن العقل والعقلانية، بعيدة عن البصيرة والتبصر، بعيدة عن الأناة والحب والسلام والهدوء والخير.. التطرف مرض مؤذٍ للنفس وهو أيضاً مرض متعدي الأذى للآخرين، مرض يجب مكافحته إن لم يكن ممكناً علاجه.. التطرف هو سبب دوام الخلافات وحدوث الاختلافات وقيام الحروب والصراعات.. فالمتطرف لا يمكن أن يبحث عن الحلول الوسطى، فالوسطية هي رذيلة في قاموسه واستسلام لا يطيقه، وهو يفضل أن يهدم المعبد على رأسه وعلى رأس من يتطرف ضدهم ولا يتنازل عن تطرفه.
6 - المتطرف لا يمكن أن يتعايش أو يتسامح أو يتغافل أو يتآلف أو يتآخى أو يتفاهم أو يتحد أو يتعاون أو يتكامل مع أحد سوى متطرف مثله.. المتطرف يحرق الوشائج والعلاقات والمسافات والمصالح والمنافع في سبيل تطرفه ويعيث في الأرض فساداً، وهو أعمى جاهل لكنه لا يدري أنه لا يدري.. المتطرف ينزع إلى تكبير الخلافات وتضخيم الأحداث الفردية، وتأجيج النزاعات والتطرف في الحكم على كل صغيرة وكبيرة في علاقته مع من يتطرف ضدهم.
7 - القضية التي تُوْكل دراستها أو حلها لمتطرف لا تُدْرس ولا تُحل، فهو أحادي الرؤية، ينظر في اتجاه واحد، وحلوله إقصائية استئصالية عدوانية لا يمكن أن تكون حلاً بل إبادة وإلغاءً وإبعاداً.. المتطرف ليس هو الشخص المناسب للتفاوض أو البحث عن حلول ومخارج، أو التفكير بمنطق المصلحة العامة، وانتهاج أسلوب حصر نقاط الالتقاء أولاً، فهو لا يرى أي نقاط التقاء ولا مجال لديه للاتفاق إلا بالإلغاء بأي وسيلة.. فالمتطرف ليس في كتابه حلول وسطى الكل فيها رابح، فربح الآخر هو خسارة له.
8 - المتطرف ليس لديه من آليات التفاهم سوى التحريض والتأليب والصراخ والاستنجاد والتخويف والتحذير والتخوين والدعوة إلى العنف مع المختلف.. المتطرف بآليات التفكير التي يمتلكها تلك لا يمكن إقناعه أو إفهامه أو تحييده إلا بالقانون، فلا المواعظ الأخلاقية ولا المصلحة الوطنية كافية لردعه.. إن تجريم التطرف خطوة مهمة يجب أن تترافق مع زرع ثقافة أن التطرف رذيلة أخلاقية ومرض نفسي يجب علاجه.