سارة الشهري
هناك لحظات في تاريخ الأمم تتحول إلى علامات فارقة، لحظات لا تقاس بالزمن فقط، بل بقدرتها على تغيير المستقبل. بالنسبة للسعودية هناك الكثير، ومن بينها تلك اللحظة التي أُطلق فيها (هيوماين)، فمنذ أن أعلنت المملكة رسميا دخولها سباق الذكاء الاصطناعي بدا واضحا أن الأمر ليس خطوة عابرة، بل مشروع حضاري يراد له أن يترك بصمته على العالم.
منذ زمن طُبعت الصورة الذهنية عن المملكة ببراميل النفط، وبكونها المصدر الأكبر للطاقة التقليدية. لكن الزمن تغيّر، والرهان اليوم لم يعد على براميل النفط، بل على براميل من البيانات ومناجم من الخوارزميات.
هنا جاء إطلاق هيوماين ليقول للعالم: إن السعودية لم تكتفِ بالركوب في القطار، بل تريد قيادته نحو المستقبل.
اللافت أن المشروع لم يولد من فراغ، بل تحت مظلة رؤية 2030، التي وضعت الابتكار والتقنية أساسا لتحولها الوطني، وهيوماين ليست إلا البداية، فهي منصة كبرى لبناء مستقبل مختلف معتمد في ذلك على مراكز بيانات ضخمة، نماذج لغوية متطورة، وبنية سحابية قادرة على استيعاب أحلام أجيال قادمة.
وأهم ما يجعل هيوماين متفرداً عن غيره من أنظمة الذكاء الاصطناعي، أنه مدعوم بنموذج لغوي عربي أطلق عليه مسمى علّام 34صُمم ليحاورنا بلغتنا ولهجاتنا المتعددة، وليفهم ثقافتنا وديننا وقيمنا.
فعندما تجلس أمام شاشة هاتفك أو حاسوبك، وتسأل عن مسألة دينية، أو مثل شعبي، أو قصة تاريخية من تراثك، سيجيبك الذكاء الاصطناعي بلهجة قريبة من قلبك، محترمة لخصوصيتك، واعية لسياقك.
هذه ليست مجرد تقنية، إنها إعادة اعتبار للإنسان العربي بمختلف لهجاته في فضاء تكنولوجي كان حتى الأمس القريب محتكرًا باللغات الأخرى.
الأجمل أن المشروع لا ينحصر في التقنية المجردة، بل يفتح الباب أيضًا أمام الإبداع. قسم Humain Create مثلًا يركز على الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال الإعلام والألعاب والإعلانات، ما يعني أننا قد نشهد قريبًا محتوى بصريا عربيا بمستوى هوليوودي، لكنه يحمل هوية محلية وقيماً عربية.
واليوم حين ننظر إلى هيوماين، ندرك أن السعودية لم تدخل فقط سباق الذكاء الاصطناعي، بل دخلت بروح مختلفة روح تؤمن أن التقنية ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لبناء مستقبل يخدم الإنسانية.
قد تمر سنوات، وربما عقود، لكن المؤكد أن الأجيال المقبلة ستتذكر أن عام 2025 كان بداية فصل جديد، حين قررت السعودية أن تكتب فصلاً عربياً في كتاب الذكاء الاصطناعي العالمي.