الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يؤكد الخبراء والمختصون أهمية نشر ثقافة الوقف في المجتمع، وذلك لأن غيابها مؤشر قوي على ضعف الوعي بأهمية وأحكام الوقف، مما يؤدي إلى تراجع دوره في التنمية وخدمة المجتمع، ويشمل ذلك قلة المعرفة بآليات الوقف وأنواعه، وعدم استيعاب أهميته كأداة للتكافل الاجتماعي، كما يتجلى غياب هذه الثقافة في ضعف المشاركة المجتمعية في الوقف، سواء من حيث التبرع أو الإدارة.
«الجزيرة» استطلعت رؤى عدد من المختصين والمهتمين والخبراء في الحقل الوقفي للتعرف على أسباب غياب ثقافة الوقف في المجتمع، والسبل الكفيلة لنشرها دعماً لمسيرة الأوقاف في المجتمع وتنميتها، وكانت رؤاهم على النحو التالي:
ثقافة مجتمعية
يشير الدكتور عبدالله بن عبداللطيف الحميدي رئيس مجلس إدارة جمعية دعم الأوقاف إلى أن الوقف شريان عطاء لا ينضب، وغياب ثقافته مسؤولية مشتركة بين هيئة الأوقاف ووزارة التعليم والإعلام بشكل عام وتشترك معهم أيضاً الجهات الوقفية سواء كانت مؤسسات أو منظمات غير ربحية، ولابد من تضافر الجهود والتعاون بين الجهات لإحياء هذه الشعيرة الخالدة والحاجة ماسة لإدخاله في مقررات ومناهج التعليم العام والعالي، وإبرازه في الإعلام بنماذج مشرّفة محفزة وتبسيط صِيَغه ليشارك فيه الجميع، وعندها يصبح الوقف ثقافة مجتمعية حيّة، وأداة مؤثرة في خدمة الناس وصناعة التنمية ومشاركاً في إحياء الأثر للأجيال القادمة.
ضعف الوعي
يقول الأستاذ وليد بن خالد الغامدي المحامي المهتم بالأوقاف: كان وما يزال وسيبقى الوقف ركيزة أساسية في بناء الحضارات الإسلامية ودعامة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي عبر التاريخ، ورغم هذا الإرث التاريخي العريق، إلا أن ثقافة الوقف لدى المجتمع المعاصر ما زالت دون المستوى المأمول، ويمكن إرجاع ذلك إلى عدة أسباب رئيسية، منها ضعف الوعي العام بمفهوم الوقف وأبعاده التنموية والاقتصادية، واقتصار النظر إليه كأداة تقليدية رعوية مرتبطة بالعمل الخيري للفقراء والمساكين، ومنها ضعف إدماج موضوع الوقف في المناهج التعليمية خصوصاً للأطفال بلغه عصرية تبين جماليات الوقف، إضافة إلى قصور بعض الأوقاف نفسها في إبراز دورها الاجتماعي والتنموي في المجتمع.
تكثيف الحملات
وأضاف وليد الغامدي قائلاً: ولكي تستعيد ثقافة الوقف حضورها الفاعل، فإن الأمر يتطلب جهودًا متكاملة على عدة مستويات يأتي في مقدمتها إدراج الوقف في المناهج والبرامج التعليمية لتعزيز الوعي المبكر لدى الأطفال، إلى جانب تكثيف الحملات الإعلامية التي تبرز النماذج الوقفية الناجحة وتوثق أثرها في تنمية المجتمعات، كما أن تطوير منتجات وقفية مبتكرة، مثل أوقاف لخدمة الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي أو مجال الأمن السيبراني ونحوها من شأنه أن يفتح آفاقاً جديدة لجذب مختلف شرائح المجتمع للأوقاف ونقل مفهوم الوقف من الرعوية إلى التمكين.
وشدد الغامدي على أن نشر ثقافة الوقف اليوم ضرورة وطنية لضمان استدامة التنمية وتعزيز التكافل الاجتماعي ليكون المجتمع أكثر توازنًا وعدالة للأجيال القادمة، ومن هنا جاء هدف الرؤية 2030 برفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي إلى 5% ولابد من نشر ثقافة الأوقاف أولاً حتى نصل لتحقيق هذا الهدف بإذن الله.
جوانب مغفول عنها
يؤكد الدكتور عبدالمجيد بن عبدالرحمن آل ذواد المستشار والمدرب في الأوقاف أن المجتمع السعودي يزخر بثقافة جيدة للوقف، بفضل الله عز وجل، ثم الوعي والكرم المتأصل في نفوس السعوديين، وما تحققه الحملات التي تقيمها منصة إحسان من أرقام يؤكد ذلك، منبهاً إلى أن ثقافة الوقف ينبغي أن تتجه إلى جوانب مغفول عنها عند بعض الناس، مثل: الوقف الصحي، والوقف التعليمي، والصناديق الوقفية، وإعانة الشباب على الزواج وتأهيلهم.. وغير ذلك.
إبراز أثر الإنفاق
ولنشر ثقافة الوقف -والحديث للدكتور عبدالمجيد آل ذواد- ينبغي التوعية بأهمية الإنفاق والبذل في وجوه البر التي لا تحظى بعناية أكثر فئات المتبرعين، وإبراز أثر الإنفاق في هذه المجالات، وإجراء دراسات تثبت أثر هذا الإنفاق، ودراسة الاحتياجات الفعلية للمناطق والمدن والأحياء، ثم تصميم خرائط حرارية للمجالات الأكثر حاجة، ثم تسويقها على المتبرعين.
الاستدامة المالية
يرى الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الشثري، رئيس مجلس إدارة مؤسسة منارات الخير الوقفية وأستاذ الفقه بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز أن الوقف أو التحبيس والتسبيل من وسائل الاستدامة المالية واستدامة الحياة بعد الوفاة، والوقف عبارة عن نقل للأموال من دار الدنيا إلى دار الآخرة، لذلك تواترت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتتابع الصحابة والتابعون ورجال الإسلام على الوقف إلى يومنا هذا ولا يزال الخير مستمراً، وكان للأوقاف آثار كبيرة لا يمكن حصرها في استدامة نفع المسلمين وغيرهم ونصرة الإسلام، ويزيد البذل والعطاء للوقف ويضعف بين حين وآخر على مر العصور ومن أسباب ضعف البذل في الأوقاف عدم استشعار كثير من الناس بأهمية الوقف في حياتهم المستقبلية، وتركيز الإنفاق على العيش في الحياة الفانية دون الحياة الأُخروية الباقية، ولا يقتصر ذلك على الأثرياء فقليل دائم خير من كثير منقطع، وغياب الوعي الإعلامي للوقف كان له أثر في عدم تفاعل فئات المجتمع على البذل في سبيل الوقف، بالإضافة إلى ذلك عدم وجود حوافز عينية ومالية على الوقف، ومن ذلك عدم الإعفاء من الرسوم والضرائب في الأنظمة على الأموال الموقوفة والتي تُبذل في خدمة الموقوف عليهم، خاصة الأوقاف العامة المخصصة لخدمة المجتمع، مما كان له أثر في عدم زيادة البذل من قبل الواقفين، والمؤمل تسهيل الإجراءات للواقفين وزيادة نشر مراكز الخدمات الوقفية من قبل الهيئة العامة للأوقاف، ودعم جمعيات القطاع الوقفي التي تُعنى بتسهيل الوقف ودعم الواقفين وتقديم الحوافز لهم ونشر الوعي، ونشر الأبحاث والدراسات، والبرامج التوعوية، وكذلك إنشاء ديوانية الوقف في كل منطقة ومحافظة للعناية بالواقفين وتقديم الخدمات لهم، والمؤمل من وزارة التعليم في المناهج التعليمية تأهيل الناشئة والأجيال في التعليم العام وتثقيفهم بأهمية التطوع في الوقف، وتخصيص مادة تُعنى بأهمية الوقف وطرق الوقف وأساليبه في أحد المراحل التعليمية، تجمع بين التعليم النظري والتطبيقي للوقف، ويشارك في إعدادها الهيئة العامة للأوقاف والمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي وغيرهم من أهل الاختصاص الوقفي، لينشأ الأجيال من صغرهم على محبة الوقف والبذل والعطاء لمجتمعهم، والخير مستمر بحمد الله تعالى في مملكتنا الغالية المملكة العربية السعودية حيث يوجد بها نماذج وقفية نفاخر بهم جميع دول العالم، والمؤمل أكثر، بارك الله في الجهود،ونفع بها.