الرياض مدينة عريقة يعود تاريخها إلى عصور موغلة في القدم، وتعد من أقدم المدن في الجزيرة العربية، وتتميز باستمرار عمرانها والاستيطان فيها عبر العصور دون انقطاع، رغم تقلبات الزمان وعواديه، ولعل حصانة موقعها الطبيعي، وتنوع مواردها الاقتصادية، وفرت لها ميزة الاستدامة عبر عصور التاريخ، لكن اسمها تطور وتغير، تبعاً لتغير الأقوام الذين حلوا بها، وتعاقب أحداث التاريخ، فقد كانت تسمى القرية الخضراء، وخضراء اليمامة، وحضور (قاعدة) طسم في العصور القديمة أيام طسم وجديس، ثم عرفت باسم (حَجْر اليمامة) منذ استيطان بني حنيفة فيها قبل الإسلام بنحو قرنين من الزمان، في حدود سنة 430م، أي قبل نحو 1600 عام، وتأسيس كيان سياسي في المنطقة على يد عبيد بن ثعلبة الحنفي، أصبحت (حَجْر) قاعدته، وامتد ليشمل حوض وادي حنيفة (العرض) كله وما حوله.
واستمرت هذه المدينة العريقة تحمل اسم حَجْر حتى القرن العاشر الهجري، حين أصابها داء الاختلاف والتنازع بين سكانها مما أدى إلى انقسام المدينة وتفككها، فانقسمت إلى عدة كيانات صغيرة (بلدات أو محلات)، هي: مقرن، ومعكال، وجَبْرة، والبِنّية، والعود، والصليعاء، والخراب. وبهذا فقد الاسم الجامع (حَجْر اليمامة) بعد أن حملته نحو ألف ومائة وخمسين عاماً.
وامتدت حقبة الانقسام هذه نحو قرن ونصف من الزمان، وعرفت في تاريخ الرياض بحقبة مقرن لأن مقرن كانت أبرز البلدات وهي في موقع مركز مدينة حجر القديمة (1)، ثم اتحدت تلك الأجزاء (البلدات أو محلات) مرة أخرى في أواخر القرن الحادي عشر ومطلع القرن الثاني عشر الهجري تحت اسم الرياض. ومع ذلك فقد بقيت آثار ومعالم لأسمائها القديمة، ممثلة في بعض المواضع، تُذكرنا بماضي هذه المدينة العريق واتصال مسيرة تاريخها، وترابط حلقاته عبر العصور.
وفي هذه المقال سوف نتتبع المعالم التي بقيت تحمل الاسم القديم للرياض (حَجْر) ونتعرف على مصيرها ونحاول تحديد مواضعها على خريطة مدينة الرياض الحديثة.
1- مزرعة قُبَّة حَجْر:
مزرعة قبة حَجْر تكتسب أهميتها بسبب أنها بقيت تحمل هذا الاسم القديم لمدينة الرياض حتى وقت قريب، وهي ضمن مجموعة المزارع التي كانت تقع في الجهة الشمالية الشرقية من الرياض القديمة، وتقع خارج السور على ضفة وادي البطحاء الغربية، إلى الشمال من مزرعة (نخل) الحسي الذي ملكه الإمام عبدالرحمن بن فيصل رحمه الله (انظر الشكل (1))، وموقعها يحده حالياً من جهة الجنوب امتداد شارع الإمام تركي بن عبدالله بن محمد، ومساحة الشارع تدخل ضمن مزرعة قبة حجر، ومن جهتي الشرق والغرب تمتد بين شارع البطحاء شرقاً وشارع الملك فيصل (الوزير) غرباً، أما من جهة الشمال فيحدها المزرعة المعروفة بمزرعة حجر (انظر الشكل (2)، وكانت هذه المزرعة في ملك أسرة آل دهيمش وهي من الأسر القديمة في مدينة الرياض، (انظر كتاب ماضي وتاريخ أسرة آل دهيمش، ص 30-31؛ وصحيفة الجزيرة مقابلة مع عبدالرحمن بن دهيمش، العدد، 6854، الجمعة 23-12-1411هـ، 1991م). ويوجد وثيقة تعود إلى سنة 1357هـ محفوظة في سجلات المحكمة الكبرى في الرياض، تذكر مزرعة قبة حجر، وتثبت أن هذه الاسم بقي مستخدماً إلى ذلك التاريخ (انظر صورة الوثيقة).
أما في الوقت الحاضر فقد تحول موضع المزرعة إلى منطقة تجارية (انظر الشكل (2)) فيها أسواق ومبانٍ تجارية منها مركز ابن سليمان التجاري.
2- مزرعة حَجْر:
يذكر الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن زيد بن دهيمش، وهو حفيد زيد بن دهيمش الذي كان يملك مزرعة قبة حجر، ومزرعة حويطة ثليم، أن مزرعة حجر هذه هي مزرعة أخرى تختلف عن مزرعة قبة حجر، لكنها مجاورة لها من جهة الشمال، وتقع بينها وبين مزرعة حويطة ثليم، وقد وضح ذلك في كتاب: (ماضي وتاريخ أسرة آل دهيمش، ص 30-31). وذكر أن جده زيد بن دهيمش ملك أربع مزارع في الرياض هي: مزرعة قبة حجر، ومزرعة حويطة ثليم، ومزرعة الرفيعة (2)، ومزرعة خزام (3).
أما مزرعة حجر هذه وهي الخامسة، فيذكر أنها كانت وقفاً على مسجد المقيبرة (المريقب))، وأن جده زيداً استأجرها في أواخر القرن الثالث عشر الهجري لمدة مئة عام، لكونها واقعة بين مزرعة قبة حجر، وحويطة ثليم، وكلاهما في ملكه.
أما تحديد مزرعة حجر هذه فهي حسب ما ذكر ابن دهيمش: يحدها من الجنوب مزرعة قبة حجر، ومن الشمال مزرعة حويطة ثليم والمقبرة الواقعة على شارع الملك فيصل حالياً، ومن الشرق وادي البطحاء (شارع البطحاء حالياً)، ومن الغرب شارع الملك فيصل حالياً (وهو مقتطع منها) (انظر الشكل (2)). وقد تحول موقعها حالياً إلى أسواق ومبانٍ تجارية، منها مركز سليمان الرصيص التجاري.
3- بئر حَجْر:
وهي من آخر المعالم التي حملت اسم حَجْر، يقول الشيخ حمد الجاسر: «بقي اسم حجر معروفاً إلى منتصف قرننا الحالي (4)، حيث كان يطلق على قصر على شفير البطحاء، فيه نخل (5)، ثم انحصر الاسم في بئر ذلك النخل، فصارت تعرف بـ(بئر حجر) ثم ردمت هذه البئر، وبنى وزير المالية (6) في أرضها دكاكين، أصبحت تعرف بشارع الوزير، وهو الآن شارع الملك فيصل» (مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ، ص 87).
وبئر حجر تقع في مزرعة قبة حجر التي سبق بيان موقعها، وبالتحديد في جهتها الجنوبية الشرقية قرب ضفة وادي البطحاء، عند التقاء شارع الإمام تركي بن عبدالله مع شارع البطحاء (انظر الشكل (2)) تحت أو بجوار مبنى البنك الأهلي السعودي.
الحواشي
(1) يشغل الآن قلب مدينة الرياض، وفيه تقع أهم معالم الرياض التاريخية مثل: قصر الحكم، وقصر المصمك، وجامع الإمام تركي بن عبدالله، وسوق المقيبرة والمعيقلية.
(2) مزرعة الرفيعة لآل دهيمش هي إحدى المزارع الأربع التي تكون منها حي المربع، وبُني عليها قصر الملك عبدالعزيز في المربع والقصور الملكية المجاورة له، والثلاث الأخرى هي: مزرعة آل أبو سفيان وتسمى (الركية)، ومزرعة آل جابر وتسمى (سربربة)، ومزرعة آل سلمة وتسمى (صيادة). (عبدالرحمن بن دهيمش، ماضي وتاريخ أسرة آل دهيمش، ص 28-29).
(3) مزرعة خزام تقع حسب وصف ابن دهيمش جنوب حي المربع وجنوب برج مياه الرياض في المربع، وشمال شارع الخزان (شارع الإمام فيصل بن تركي)، وذكر أن تاريخ إنشائها كان سنة 1282هـ على يد زيد بن دهيمش (ماضي وتاريخ أسرة آل دهيمش، ص 27).
(4) المراد القرن الرابع عشر الهجري، أي في حدود سنة 1350هـ.
(5) المراد مزرعة قبة حجر.
(6) يقصد الوزير عبدالله بن سليمان.
** **
إعداد/ أ. د. فهد بن عبدالعزيز الدامغ - أستاذ الدراسات العليا بقسم التاريخ والحضارة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية