هادي بن شرجاب المحامض
في عالم الأعمال، النجاح لا يُقاس فقط بجودة المنتج أو قوة العلامة التجارية، بل بمدى قدرة الشركة على مواجهة الأزمات والخروج منها بأقل الخسائر. الأزمة قد تكون اختبارًا مدمرًا أو فرصة لإعادة بناء الثقة.
إدارة المخاطر تركز على الوقاية قبل وقوع المشكلة، أما إدارة الأزمات فهي خط الدفاع الأخير عند حدوث الكارثة. متى وُجدت إدارة أزمات مستقلة داخل الشركات، كان بالإمكان توضيح سبب الخطأ، وإطلاق حملة لتعويض المتضررين واستعادة الثقة. وجود مجلس إدارة قوي أو قسم موارد بشرية وحده لا يكفي. الشركات اليوم، خصوصًا في القطاعات الحساسة مثل الأغذية، تحتاج وحدة متخصصة لإدارة الأزمات تمتلك خطة واضحة وأدوات تنفيذية.
التجارب العالمية تؤكد أهمية إدارة الأزمات. شركة تايلينول الأمريكية في الثمانينيات واجهت أزمة تسمم قاتلة، لكنها استجابت بسحب منتجاتها من السوق بسرعة وقدمت بدائل آمنة، فاستعادت ثقة العملاء وأصبحت نموذجًا عالميًا في إدارة الأزمات.
تجربة أخرى توضح الدرس بشكل أكبر هي حادثة ستاربكس في فيلادلفيا عام 2018، عندما جلس شخصان سمر البشرة في فرع دون طلب أي شيء، واعتقلتهما الشرطة بناءً على شكوى موظفة، وانتشر الفيديو عالميًا واعتبره الجمهور حادثة عنصرية ما أدى إلى مقاطعة واسعة استجابت الشركة بسرعة واحترافية، فخلال 24 ساعة اعتذر الرئيس التنفيذي علنًا وتحمّل المسؤولية كاملة وأعلن تحقيقًا داخليًا، وخلال أسبوع اجتمع مع المتضررين وغيّر السياسات للسماح لأي شخص بالدخول واستخدام الفرع حتى دون طلب، وبعد شهر أغلقت الشركة 8000 فرع ليوم كامل لتدريب 175 ألف موظف على مواجهة التحيزات بمساعدة خبراء مدنيين، كما قدمت تعويضًا للمتضررين وتبرعت بمبالغ مالية لدعم المجتمع واشتركت مع جامعة لتوفير فرص تعليمية مجانية. النتيجة كانت انخفاض الغضب تدريجيًا وتحول الأزمة إلى درس عالمي في سرعة الاستجابة، الإجراءات العملية، ومصداقية الحلول.
لذلك، من الضروري أن تتبع الشركات خطوات عملية لبناء إدارة أزمات قوية تشمل تشكيل فريق مستقل يرفع تقاريره مباشرة لمجلس الإدارة، وضع خطة طوارئ مكتوبة مع سيناريوهات جاهزة، تعيين ناطق رسمي مدرّب للتواصل مع الإعلام والعملاء، اعتماد رقابة مستقلة عبر جهات فحص خارجية، تدريب الموظفين على محاكاة الأزمات عمليًا، استخدام أنظمة تكنولوجية لرصد المخاطر مبكرًا، والشفافية والتواصل السريع مع العملاء مدعومًا بتعويضات واضحة. الأزمات بحد ذاتها لا تقتل الشركات، بل غياب إدارتها هو السبب الحقيقي للانهيار.
وجود إدارة أزمات متخصصة أصبح ضرورة استراتيجية لحماية السمعة، الحفاظ على القيمة السوقية، وضمان استمرارية الأعمال في أي سوق تنافسي.