طوتك يا صالحٌ أيامٌ طوت أمماً
كانوا فبانوا وفى الماضين مُعتبرُ
لاشك أن الرحيل عن هذه الدنيا إلى دار البقاء أمر محتوم على كل كائن حي مهما طال به الزمن، وهذه سنة الله في خلقه إلى يوم الدين، ويتأثر الإنسان برحيلهم الأبدي عن ناظريه وخاصة من تربطه بهم قرابة أو صداقة أو معرفة، ولا يملك الإنسان إلا الإيمان بقضاء الله وقدره والدعاء لهم بطيب المقام في الدار الآخرة؛ ومن هؤلاء الأخ صالح بن عبدالله العجاجي -أبو أحمد- الذي انتقل إلى رحمه الله يوم الخميس 12-3-1447هـ، حيث أقعده المرض طريح الفراش لسنوات طويلة وظل صابراً محتسباً لا يفارق الذكر لسانه، وتمت الصلاة عليه بعد صلاة العصر في جامع الشيخ عبدالله المهيني شمال الرياض، ثم حُمل جثمانه الطاهر إلى مقبرة الشمال حيث وُورِيَ الثرى هناك في أجواء حزن على فراقه، وقد أدى الصلاة عليه جمع غفير من أقاربه ومعارفه ومحبيه داعين له بالرحمة والمعفرة من رب العباد.
ولقد كانت ولادته في حريملاء عام 1357هـ من أبوين كريمين الشيخ عبدالله بن صالح العجاجي والأخت طرفة بنت عبدالرحمن الخريف رحمهم الله جميعاً، وقد نشأ وترعرع بين أحضان والديه وبين والدنا جده لأمه الشيخ العالم الجليل عبدالرحمن بن محمد الخريف عند زيارتهم، حيث نقضي سحابة يومنا في أجواء مرح وسعادة معه ومع أقرانه أخي عبدالله وناصر ومع علي بن إبراهيم العجاجي ابن أختي سارة -رحمهم الله جميعاً-.
وبعد بلوغه السابعة من عمره ألحقه والده بالكتَّاب عند المقرئ عبدالله بن خميّس -رحمه اللّه- وذلك لتلاوة القرآن وحفظ ما تيسر منه وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم بعد ذلك التحق بالمدرسة الابتدائية في حريملاء، وقد تحمل المسؤولية مبكراً فهو الابن الأكبر لوالديه، حيث انتقل للعمل في الرياض مكافحاً ومعتمداً على الله ثم على نفسه.
وإنّما رجلُ الدُّنيا وواحِدُها
من لا يعوِّلُ في الدُّنيا على (أَحدِ)
فأخذ يعمل بجد ونشاط، وقد اشترى سيارة خاصه له حيث كان حاذقاً في القيادة وعمل لدى شركة الجميح فترةمن الزمن إلى أن عمل في المديرية العامة للشؤون البلدية والقروية بمنطقة الرياض في قسم الحركة والصيانة، وكان محل الثقة والتقدير من جميع من عمل معهم حيث يتمتع بالحنكة والأمانة والصدق إلى أن تقاعد عام 1417هـ.
وقد عمل -رحمه الله- مؤذناً في أحد المساجد بحي السليمانية بالرياض منذ عام 1396هـ إلى عام 1406 هـ، وفى عام 1416هـ انتقل إلى حي الريان شرق الرياض مؤذناً في أحد الجوامع هناك وذلك لمدة 16عاماً، ثم انتقل إلى حي قرطبة ليواصل رسالته المباركة في رفع الأذان حتى تقدمت به السن، فكانت حياته مليئة بالكفاح والعمل المشرف في كل الأعمال التي قام بها.
ولنا معه ومع أختي طرفة ووالده ذكريات جميلة لا تغيب عن خاطري، وقد خلف ذرية صالحة بنين وبنات وذكراً حسناً مُختتماً هذا المقال بهذا البيت:
قَضَيتَ حَياةً مِلؤُها البِرُّ وَالتُقى
فَأَنتَ بِأَجرِ المُتَّقينَ جَديرُ
وقد عُرف عن الفقيد حسن الخلق ودماثة المعشر والتلطف في الحديث والابتسامة التي لا تفارقه مع الجميع، وكان مجلسه عامراً برواية القصص التاريخية والشعر والحديث الطيب.. والحرص على صله الرحم والاجتماعات مع الأقارب والجيران والأصدقاء والتواصي بالبر والتقوى. كما كان في شبابه يحرص على الحج بسيارته ويرافقه في بعض المواسم والديه وإخوانه وبعض أقاربه في مشاهد تدل على بره ووفائه.
وأَحسَنُ الحالاتِ حالُ امرِئٍ
تَطيبُ بَعدَ المَوتِ أَخبارُهُ
يَفنى وَيَبقى ذِكرُهُ بَعده
إِذا خَلَت مِن شَخصِهِ دارُهُ
تغمد الله -أبا أحمد- بواسع رحمته وألهم شقيقيه: محمد وناصر وشقيقته الجوهرة وأبناءه وبناته وعقيلته - أم عبدالرحمن - وكافة أسرة العجاجي ومحبيه جميل الصبر والسلوان.
عليك سلامُ الله مِني تحيّةً
ومن كُل غيثٍ صادقِ البَرقِ والرّعدِ
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف